أغرق مشروع قانون التعديلات القضائية إسرائيل في واحدة من أسوأ أزماتها السياسية، وأشعل موجة من الغضب والاحتجاج، يمكن أن تطيح بحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فما هو هذا المشروع الذي أشعل إسرائيل؟ حاول نتنياهو خلال الفترة الماضية إدخال تغييرات جذرية على النظام القضائي، خصوصا أن اليمينيين في إسرائيل يرون أن المحكمة العليا تميل إلى اليسار وتتدخل بصورة كبيرة في الشؤون السياسية، وتقدم حقوق الأقليات على المصالح الوطنية. فما كان من رئيس الحكومة إلا الضغط لإدخال تغييرات من شأنها الحد من سلطات المحكمة في إصدار أحكام ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنح النواب سلطة أكبر في تعيين القضاة، وهو ما يتطلب موافقة السياسيين والقضاة أعضاء اللجنة المعنية، الأمر الذي من شأنه منح الحكومة نفوذا أكبر. لكن هذا المشروع قوبل برفض وتأييد البعض، وبرزت أسماء مؤيدة منها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي قال إنه لا ينبغي التراجع عن التعديلات القضائية، محذراً نتنياهو الذي غير موقفه نتيجة ضغط الشارع، من حل الحكومة إذا تم تعليق التعديل. ودعا وزير العدل ياريف ليفين الحكومة إلى الالتزام بالخطط، مهدداً بتقديم استقالته، ثم عاد أيضاً تحت ضغط الشارع الملتهب والمظاهرات، ليعلن أنه اقتنع بأهمية تأجيل التعديلات القضائية حالياً، مؤيداً قرار نتنياهو حول هذا الملف، فيما اعتبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن وقف التعديلات القضائية يعني «رضوخا للفوضى». لكن وزير الدفاع الإسرائيلي المقال يوآف غالانت، تصدى للمشروع، ورأى أن الانقسام حول تعديلات النظام القضائي يمثل خطراً مباشراً على أمن إسرائيل. واعتبر أن مكانة إسرائيل الدولية أصبحت على المحك. وهو ما أيده رئيس المعارضة يائير لابيد، الذي عوّل على قيادات الليكود لوقف ما أسماه «جنون الحكومة» بشأن إصرارها على التعديلات القضائية. فيما نصح وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ووزير التعليم يوآف كيش بوقف التشريع. ودخل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على الخط ودعا الحكومة إلى وقف تلك التعديلات المثيرة للجدل. وكانت البداية من وزير العدل ياريف ليفين، الذي كشف في الرابع من يناير الماضي عزمه تعديل النظام القضائي وتضمينه «استثناء» يسمح للبرلمان بتعليق قرارات المحكمة العليا، في خطوة فهم منها سعي الحكومة إلى تغليب سلطة النواب على سلطة القضاة، في وقت كانت تجري فيه محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهم فساد. وقال ليفين أمام وسائل الإعلام «هناك قضاة ولكن يوجد أيضاً برلمان وحكومة.. والديمقراطية في خطر عندما ندلي بأصواتنا في صندوق الاقتراع ولكن في كل مرة يقرّر أشخاص غير منتخبين نيابة عنا». ومن أبرز التغييرات التي اقترحها ليفين في مشروعه الذي أشعل سجالاً غير مسبوق في إسرائيل، وتسبب بإقالة وزير الدفاع، ما يسمّى «بند الاستثناء» الذي يتيح لنواب البرلمان بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا، خصوصا أنه في إسرائيل التي ليس لديها دستور، يمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين يقرّها الكنيست إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد. وإقرار «بند الاستثناء» من شأنه السماح للبرلمان بإعادة وضع قانون رفضه القضاة موضع التطبيق. لكن تلك التعديلات أججت الاحتجاجات، ونزل الآلاف إلى شوارع تل أبيب، وأعلنت النقابات المهنية والطبية الدخول في إضراب حتى التراجع عن المشروع. وشل الإضراب في مطار بن غوريون حركة الملاحة الجوية ومنع إقلاع الطائرات من تل أبيب، فيما حذر وزير الدفاع المقال من مخاطر أمنية تحدق بالبلاد، وسط الشرخ الكبير الحاصل.