بعد أسابيع من إقرار الكنيست الإسرائيلي سلسلة قوانين تبغي النيل من الجهاز القضائي وحرية التعبير، تدخل رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ليُسمع صوته ضد مشروع قانون آخر أراد تقييد توجه أفراد أو منظمات بالتماسات إلى «محكمة العدل العليا» ضد ممارسات السلطة التنفيذية أو أحد أذرعها. ودفع موقف نتانياهو بالوزراء أعضاء «اللجنة الوزارية لشؤون التشريع» إلى إسقاط مشروع القانون عن جدول أعمال اللجنة أمس. واستهل نتانياهو الاجتماع الأسبوعي لحكومته أمس بتصريحات إلى وسائل الإعلام قال فيها إن «الديموقراطية في إسرائيل صلبة، لكن هذه الصلابة لا تمنعنا من التدخل من أجل الدفاع عنها، وعليه أمرت بوضع مشروع القانون الجديد في شأن الالتماسات إلى المحكمة العليا على الرف، كما فعلت الأسبوع الماضي حيال مشروع قانون إلزام القضاة المرشحين بجلسة استماع أمام لجنة برلمانية». وشدد على أنه سيتحرك في كل مرة يتم تقديم مشروع قانون يمس باستقلالية الجهاز القضائي، «والمحاكم في إسرائيل هي من الدعائم الرئيسة للديموقراطية الإسرائيلية». لكنه أضاف أن «حماية المحاكم مهمة ولا تتناقض والحاجة لتصحيح تشويهات أصابت مجمل المنظومات العامة في الدولة في السنوات السابقة وعلينا أن نصححها بمسؤولية»، وهو كلام يُفهم على أنه تبرير لإقرار مشاريع القوانين الأخرى التي تمت في الشهر الأخير. وكان نائب رئيس الحكومة دان مريدور هدد مساء السبت أنه لن يبقى في الحكومة يوماً واحداً في حال أقرت مشروع قانون تقييد الالتماسات إلى المحكمة العليا، معتبراً مشروع القانون الجديد «خطاً أحمر». ويقف وراء مشروع القانون الجديد النائبان المتشددان من حزب «ليكود» داني دانون ويريف ليفين اللذان كانا وراء معظم مشاريع القوانين السابقة التي شرعها الكنيست وتهدف إلى النيل من المنظمات الحقوقية واليسارية ومن وسائل الإعلام ومن المواطنين العرب في إسرائيل. وينص القانون الساري حالياً على أنه يمكن لأي فرد أو منظمة التوجه بالتماس إلى المحكمة العليا، بصفتها «محكمة عدل عليا»، في التماس ضد أي قرار للهيئة التنفيذية. العادة، استفادت من هذا الحق الشرائح المستضعفة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى تنشط في مجال الدفاع عن الأقليات. وسبق للمحكمة أن بتت في عشرات الالتماسات المقدمة ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفي التماسات عرب الداخل ضد قوانين وقرارات ابتغت النيل من حقوقهم والتمييز ضدهم. وطالما أثار تجاوب المحكمة العليا في بعض الالتماسات حنق اليمين الذي اتهم الجهاز القضائي بأنه «يساري» وتوعده دائماً بالاقتصاص. ويجد الائتلاف اليميني الحالي الفرصة مواتية لتنفيذ وعيده، ونجح إلى الآن في تشريع سلسلة قوانين في هذا الاتجاه، أبرزها تعديل قانون تعيين رئيس للمحكمة العليا على نحو يتيح تعيين القاضي المحافظ آشر غرونيس رئيساً للمحكمة، متوقعاً أن يقيّد الأخير صلاحيات المحكمة في التدخل في قضايا سياسية أو قوانين تسنّها الكنيست، خلافاً لما حصل في عهد رئيس المحكمة السابق أهارون باراك والحالية دوريت بينيش اللذين اتهما بالتدخل القضائي الزائد عن اللزوم. ونص مشروع القانون الجديد الذي أزيل من جدول الأعمال أمس، على أن لا تتاح لمنظمات حقوقية ليست مسجلة رسمياً في إسرائيل التوجه إلى المحكمة العليا في قضايا لا تعنيها مباشرة كتمثيل شخص تضرر من قرار لإحدى السلطات، إلا في حال توجه المتضرر نفسه إلى المحكمة. كما ينص على حصر الالتماسات العامة في قضايا «ذات أهمية دستورية جوهرية تتعلق بنظام الحكم، وفقط في حالات كان الضرر بالغاً وملموساً بالجمهور». كما يشترط على أي منظمة أو جمعية عامة تلتمس إلى المحكمة العليا أن تقدم إلى المحكمة كشوفات عن الجهات الأجنبية التي تقوم بتمويلها «لضمان منع جهات معادية ذات اعتبارات ومصالح غريبة دخول أبواب المحكمة».