يكرم الرحمن عباده بالنعم، ويفتح لهم خزائن السماوات والأرض، فيمن بكنوزهما على من يشاء، ويغيث من بحر جوده من يشاء، وإن أعظم نعمة يكرم الرحيم عبداً بها هي: الإحساس بالتوفيق والبركة، وتقدير قيمة النعم، بل إنه قد يصل بقربه من الله إلى مستوى يستشعر به هل نال البركة والتوفيق في يومه وليلته أم لا؟ ويتم له ذلك بسلامة الصدر، وصلاح النوايا، واغتنام كل دروب القربات والطاعات، فلا يترك عملاً ولو كان يسيراً إلا ويعمل به، ويبتغي بذلك وجه الكريم سبحانه، ولو أن عبداً تفكر بما حوله من النعم لعرف عظمة الخالق سبحانه، وما له على الخلق من الفضل الذي يستوجب دوام الحمد واغتنام كل القربات، لينال محبة الرحمن، ويكون من عباده المقربين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، الذين يرثون الفردوس وهم فيها خالدون. وكما جعل العليم الحكيم عظيم النعيم في الآخرة؛ وضع بعضاً منه في الدنيا، والذي تراه أعين أهل الدنيا من النعيم؛ قد يصيب القلب السرور بكلمة، وتأنس الروح بصلاح الجليس وحُسن اللقاء، ومن يكتم السر ويسعى لقضاء الحوائج ويعرف حالك بلغة الأعين والقلوب، وقد تحمل النفس الرغبة في رد الجميل والوفاء مقابل لحظات من الطمأنينة والسعادة نالها المرء من عابر سبيل، فالعمل الصالح كنواة، والبذرة قد لا ترى الأعين فيها عظيم القدر والمقدار لكنها أصل كل الأشجار والنخيل المثمرة، فلا تترك في درب أيامك مكاناً وقلباً إلا وقد زرعت فيه بذور الخير ونواة الجود والعطاء، فالإحسان يُرد إلى صاحبه، والنواة والبذرة ستمر الأيام وترى النور، وتصبح عظيمة البناء، قوية الجذور، طيبة الثمار، ومهما بلغ ذلك النعيم لن يبلغ ذرةً من تراب الجنة ونعيم الآخرة.. جعلنا الله وإياكم من أهل النعيم في الدنيا والآخرة.