في هذا التوقيت حدث تحول جذري تأريخي في منهج إدارة مقدرات الوطن ومكتسباته، عندما صرح الأمير محمد بن سلمان، في حوار لن ينساه الشعب السعودي، بأنه «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواء وزير أو أمير أو أياً كان». كان تصريحاً غير مسبوق، ظن البعض أن تطبيقه ربما يكون صعباً بالصيغة التي ذكرها، لكن أثبت الأمير محمد أنه يعني ما قاله تماماً وحرفياً، فقد بدأ بعد ذلك بالفعل بإعفاء مسؤولين كبار منهم وزراء وأمراء من مناصبهم وإحالتهم للتحقيق في قضايا فساد، وبعد فترة قصيرة بدأت حملة فندق الريتز الشهيرة التي استعادت الدولة فيها حوالى 400 مليار ريال، بعد التحقيق مع المتورطين وتطبيق الأنظمة المختصة بهذه القضايا. بعدها تأكد لكل من في الداخل والخارج أنه بالفعل لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد، وأصبحت تلك الحملة حديث العالم لأنها دشنت عملياً مرحلة جديدة في الحفاظ على المال العام وضبط المعتدين عليه دون أي استثناءات. إلى وقت غير بعيد من تصريح الأمير محمد بن سلمان، كانت مكافحة الفساد بكل أشكاله واستغلال المنصب والسلطة وحماية المال العام لا تزيد عن توجهات وفقرات موجودة في أضابير الأنظمة والقوانين بشكل رخو، وحتى مع ذلك لم يكن تطبيقها حازماً بمسطرة المساواة بين الجميع. استمر هذا الحال طويلاً حتى نشأت بسببه مقولة رديئة «مال الدولة حلال»، والتي تعني أن اختلاس المال العام لا يعتبر جريمة بل ممارسة كادت تتحول إلى ثقافة إدارية شبه طبيعية في كثير من مؤسسات الدولة، على الناس التعايش معها والقبول بها، وهذا ما شجع الفاسدين على التمادي في الفساد حتى وصلت الجرأة ببعضهم إلى ما يقترب من ممارسته جهراً، دون أن تطالهم مساءلة حقيقية جادة وعقوبات رادعة. خلال السنوات الخمس، منذ تدشين مرحلة الحرب الحقيقية على الفساد التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان، تغيرت الأوضاع بشكل كبير، كل مسؤول مهما كبر منصبه أصبح متيقناً أنه لن ينجو فعلاً إذا ما سولت له نفسه التورط في أي شكل من أشكال الفساد، ومقولة «مال الدولة حلال» أصبحت من الذكريات السيئة للماضي. هذا التوجه الصارم جعل المملكة تتقدم كثيراً في مرتبتها بين الدول في تطبيق معايير النزاهة والشفافية، وشجع الاستثمار الخارجي فيها، وحفظ المال العام الذي كان مستباحاً، فلا تمر فترة قصيرة إلا وتطالعنا نزاهة ببيان جديد عن ضبطياتها المستمرة، ومع كل بيان نشعر أن مقدرات الوطن لم تعد ذلك الجدار القصير الذي يقفز عليه الفاسدون.