مشاهير التواصل الاجتماعي (السناب والتيك توك) بالذات ومطربو المهرجانات، هما الفئتان اللتان تحرك مزاج الجموع وتذهب بهم إلى محتوى هابط في معظمه، محتوى له أدواته الخاصة التي لا يستطيعها الكثير، محتوى من أهم شروطه تقديم تنازلات لحظية وبدون تفكير في العواقب بمعنى التهور الكامل مع التنازل التام، ورغم حملات «تم القبض» إلا أننا نجد هذه الظاهرة تلفت الانتباه ولا بد من رصدها ومتابعتها والتقاط تحولاتها لتحليلها وفهمها لنتعامل معها بعد ذلك وإن استطعنا توجيهه وأشك في ذلك! بدأت جذور ظاهرة الشعبوية في تحقيق رغبات الجمهور ودغدغة مشاعرهم ظهرت لأول مرة في التاريخ بعد سقوط أثينا القديمة، وكان يوليوس قيصر خطيباً مفوهاً، استطاع استمالة هذه الجموع وهو ما يفعله هؤلاء المؤثرون حالياً مع اختلاف المحتوى! فنبذ أفلاطون وتلميذه أرسطو هذا التوجه الجديد الذي ينبذ الفلاسفة والنخبويين ويشكل قراراته وقيمه بعيداً عنهم، فأطلقا على هؤلاء «الرعاع»! وفي عصر النهضة والتنوير الأوروبي وصعود الحداثة قامت الثورة الفرنسية بالاستفادة من هؤلاء العامة وحولتهم من متفرجٍ إلى عنصرٍ فاعلٍ في المشهد العام، تحقيقاً لمصالحها على الرغم من أن الوضع في بريطانيا أو الولاياتالمتحدة مختلف تماماً، فقد حافظت كل من بريطانيا وأمريكا على مُكَوِّناتها الثقافية المعتدلة والمكون برجوازي المُتَرَابِط والمُنْسَجِم مع المجتمع في ذلك الوقت فقط ثم ذهبت في نفس المسار! فالخطاب والذي نقصد به المحتوى الذي يقدمونه والذي يعتمده - المشاهير - هو خطابٌ مُبْهَمٌ وعاطفي، لا يناقش الأفكار والرؤى، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى تماماً أو يتطابق مع المزاج السائد أو الذي يختاره صُنّاع الخطاب - المحتوى - ليبدو على أنه سائد، من دون أن يفيد، من ناحيةٍ أخرى، في التعامل الجدّي والمسؤول مع المشاكل الواقعية. ويعتمد كذلك على تبسيط الأمور في شكلٍ مسرحيٍّ كرنفاليٍّ، على شكل (طقطقة - استخفاف بأصحاب الفكر - كلمات أغنية تعتمد إثارة الغرائز - الصدمة في النمط السائد)، هذه بعض إستراتيجيات ومقومات المحتوى مع الاعتراف أنهم مؤثرون في تكوين قيم خاصة بهم وانتشارها وإقناع الآخرين بها! لن أذهب إلى التحذير أو التخويف من هذا المد الذي لم يسلم منه أحد ولا من هذا السونامي الذي أغرق الكثير من الحمولات الثقافية الرزينة بدعوى التجديد والتطوير ولكن أنبه إلى خطره القادم الذي سيركز في مراحله التالية على محتوى مختلف، وهذا منحى خطير، وذلك لأن هذا المحتوى بدأ في التأثير على تيارات متعددة رأت في هذا الخطاب والمحتوى ضالتها المنشودة لتمرير أجنداتها الخاصة، ولذلك لا بد من مراجعة خطاب المؤثرين الجدد!