قيل: «احتجت في عمري إلى ملاطفة أقوام ما خطر لي قط وقوع الحاجة إلى التلطف بهم»، قالها الإمام ابن الجوزي.. وأقول: إن العاقل لا يُعادي أحداً، ولا يُظاهر بالعداوات أحداً، لا يحمل حقداً على أحد، ولا يُقابل الشر بمثله لأحد.. إذن؛ ما هي مرتبة المُذْعِن الذي يخفض جناحه للناس؟، وما الطريقة لمعالجة من تبزغ منه الرداءة فيجترح الناس وينال منهم؟. •• •• •• حين يثري الأصيل غيره بالتواضع كالمطر الهاطل الذي ينسج خيوطاً هابطة من السماء؛ يزداد وجوداً في الأرواح كفواح عطر خاص.. ومن يك للناس صوتاً صادقاً وينسك في محراب النفوس؛ تأتي نفحاته كدروس موثوقة تنبض بها الحياة الحلوة الزاخرة بالتجارب الإنسانية.. ومن يبث لمن حوله رسائله القلبية الإيجابية المبهجة؛ يبشره الله بالفرح والفرج، ويمنحه القَدَر تهللاً وتهليلاً، وترفده الحياة سروراً وحبوراً. •• •• •• بين نفس فواحة بالطمأنينة والاطمئنان، ونَعَامَة وجدان ساطعة بالبشرى والاستبشار؛ لا يشعر من يضيء الآخرين أنه مُتعب ولابد أن يرتاح.. وعند روح بادية جلية طاهرة لا غموض فيها ولا إبهام؛ شمس ناصعة لنفوس ساحرة وأنفاس باهرة وأكاليل متراكمة غير مشتتة.. ومن في قلبه أمانٍ واضحة مكدَّسة أكواماً أكواماً؛ سوف يشرق هلال آماله يوماً وينال مبتغاه محفوف برنة فرح كحبات لؤلؤ. •• •• •• في زمن مخطوف مثل صورة «سلفي» ملتقطة ذاتياً؛ حياة مضمخة بآمال شاهقة، لا يحمل شطط نرجسية ولا يتحمل إفراط تواضع.. ومن كان ضعيف الثقة بذاته مضطرب الفكر مختلج الروح؛ يعوِّض نقصه برغبة مزعزعة مزمنة لا يستطيع السيطرة عليها فيستهويه الانعزال.. أما من يستطاب لألوان أمواج الحياة وروائحها الآسرة المليئة بمودة الناس؛ لا يتبعثر ولا يتذبذب، ولن تغلق أمامه أقفال الدنيا. •• •• •• وعند كلام أبي الطيب المتنبي: «وإذا كانت النفوس كباراً، تعبت من مرادها الأجسام»؛ تذوب الضغائن أمام الكبار وتنتهي عندهم العوائق.. وأولئك أصحاب النفوس العالية الذين لا يرتاحون إلا في منازل الثريا؛ مثل الفراشة تحب مروج الفجر المرسومة على جانبي الطريق.. فإذا نفش المتكبر ريشه على الممرات؛ نشتمُّ رائحته المهترئة كغراب بطباعه الخسيسة، تقوده حماقته الماكرة ليحمل فراغاً لا سقف له.