في العطلة الصيفية التي أزفت على الحلول، حيث يتفرغ الشباب والشابات للراحة بعد عناء عام دراسي، وتغلق أبواب المدارس والجامعات، لنهاية العام، واستعداداً لعام آخر,, تكون هذه العطلة هي الوقت المناسب لعقد القرانات، وبدء الفتيان والفتيات في بناء عش الأسرة الجديدة, ليكمل كل منهما نصفه الآخر، وليستقرّ نفسياً واجتماعياً، إنها حكمة الله البالغة، بأن يكون في كل من الجنسين الميل إلى الآخر، ليمتدَّ الفرع، بجذور الأصل,, وليعمر الله بهذا التناسل الأرض، لأداء مهمة العبادة لله، (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون). إن للزواج آداباً، يحسن بالناس أن يدركوها ويهتموا بها، فليس الزواج مظاهر يتباهى فيها القادرون بما لا يستطيعه من دونهم، وليست حفلات الزواج، وتكاليفه سوقاً تجارية معرّضة للمزايدات والتفاخر، وإن كل مجتمع يهتم بالمظاهر والاستعلاء ليضع العراقيل أمام الشباب في تحصين أنفسهم، وتكوين البيوت الهانئة الهادئة التي ترفرف عليها السعادة، وينمو في أفياء دوحتها اجيال المستقبل: أمل الأمة، ورجال الغدّ، بكل مفاهيم الحياة. إن للاقترانات الزوجية، آداباً أسمى من ذلك كما جاء في الحديث الشريف: (خير النساء أيسرهن مهراً) وأهدافاً بعيدة المدى، تعود على الفرد من النوعين بالهدوء والاستقرار يقول سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم 21) فالمودة والرحمة والسكني وعفّة الجنسين، والتناسل والتفاهم في تربية الأولاد من اهداف الزواج المفيدة وهي تعود على الأسرة التي بها يتكون المجتمع، وتتأصل العلاقات، ويدوم البرّ والتعاطف، علاوة على المودة والرحمة التي ذكر الله سبحانه، بقرّة العين وسلامة الصحة, يقول سبحانه في صفة المؤمنين: (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) (الفرقان 74). كما يعود الزواج على المجتمع بالأمن والأمان, والتعاضد في بناء الأمة والدفاع عنها، وذلك بكثرة النسل وحسن تربيتهم التربية الدينية السليمة، وفق تعاليم هذا الدين، وأسسه العقدية والعملية, يقول صلى الله عليه وسلم (تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم وفي رواية الأنبياء يوم القيامة) رواه الإمام أحمد والطبراني وصححه ابن حبان عن أنس بن مالك. فالزواج الذي يكثر موسمه في العطل الدراسية وفي الصيف بصفة خاصة، جعله الله تواصلاً بالنسل، لإعمار هذه الأرض، في الحياة الدنيا، وليبلو سبحانه بني آدم في دنياهم، أيهم أحسن عملاً، حيث أرسل جلّ وعلا الرسل، وأنزل الكتب، وبان بذلك طريق الخير لمن وفقه الله، وطريق الشرّ لمن كتبت عليه الشقاوة، عناداً وصداً عن سبيل الله,, وأبان الله في كتابه، أن انبياءه وهم صفوة الخلق يتزوجون ولهم ذرية ولنا فيهم أسوة حسنة. هذا الزواج جُعلت تعاليم الإسلام له آداباً، تتمثل في الحكمة الشرعية منه، والانطلاق فيه منذ البدء في الحاجة اليه والقدرة عليه, من تعاليم هذا الدين الذي لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن التوجيه والرعاية، شاردة ولا واردة، الا علّمها للأمة, فبصّرهم بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم. هذا الزواج الذي رسم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجين بسيطين: الإعلان به وإظهار الفرح لتضرب النساء الدفوف وتتغنّى بمآثر الزوجين والدعاء لهما بالذرية، وفي هذا تمييز بين النكاح والسّفاح: الحلال المباح، والحرام الذي يعاقب فاعله، لأنه فاحشة وساء سبيلا. والبساطة في تكاليفه مهراً ووليمة (أولِم ولو بشاة)، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يجد شيئاً، أن يجعل مهر زوجته ما تيسر من القرآن ليعلمها,, والآخر أمره أن يلتمس ولو خاتماً من حديد. تبدأ آداب الزواج: بحسن اختيار الزوجة، وأن يكون بين الزوجين تكافؤ، من كافة الوجوه، حتى تستقيم العشرة، وتتحقق المودة والرحمة التي جعلها الله من آياته، عاطفة بين الزوجين، وتفاهما ومودة مقرها القلب,, يقول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع خصال: لدينها، ولمالها ولجمالها، ولحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك),, وما ذلك الا أن الجوهر هو الدين, وهو محور الأعمال كلها، صلاحاً واستقامة,, والخصال الأخرى وقتية قد تزول، أو تكون سبباً لتكدير صفو الحياة الزوجية، ما عدا الدين فإنه مجمع الخصال كلها وهو أجمل جمال في المرأة,. وما ذلك الا أنه سبب لكل خير، ومنبع للراحة النفسية، ومصدر للقناعة والرضا,, علاوة على شيء مهم جداً وهو انعكاسه على الأولاد، وأثره في حياتهم، وبيت تأسس على الدين، يصبح ثابت الأركان، لا منغصات فيه، حيث يسكن فيه قلبا الزوجين في عشرة حسنة، ويحافظ كل منهما على راحة الآخر، وهناءة باله ويأتي مع حسن اختيار الزوجة، التأكد من الصفات المعينة على ديمومة العشرة، والبذرة الصالحة مثل: خلوّ الطرفين من الموانع الخِلقيّة والخلقيّة التي قد تكون من مسببات عدم تحقق المودة والرحمة، وعدم توفر السكن الوجداني لتبدأ المشكلات، وتتكاثر يوماً بعد آخر المنغّصات، وذلك في مثل: العقم الذي لا تتحقق معه الذريّة حيث أودع الله غريزيا في كل من الزوجين حبّ الولد، يقول سبحانه في قصة زكريا (رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين) (الأنبياء 89). ومن تكافؤ الزوجين اختيار الزوجة وكذا الأب عندما يختار لابنته، الصفات الحميدة في كل منهما، والمنبت الحسن، وما ذلك الا أن سلامة النسل من الأمراض الوراثية، أو الصفات والأخلاق التي تأتي تقليداً من المنشأ، مطلب يحرص عليه كل من الزوجين، وأسرتيهما, يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اختاروا لنطفكم فإن العرق دسّاس)، فعمر رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين، الذين أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنتهم بعد وصايته عليه الصلالة والسلام بالتمسك بسنته، يريد سلامة النسل في المجتمع الإسلامي، من أمور تأتي وراثية سواء كانت في الطباع كالعقوق وقطيعة الرحم، أو في الجريمة وسوء الأدب، أو في النواحي الصحية التي بدأ الطب الحديث يكتشفها في علم الجينات والمورِّثات، ومن ذلك الابتعاد عن الزواج من الخارج لمسببات كثيرة أهمها رابطة النّطف,. ولأن آداب الزفاف التي حثّ عليها الإسلام، ويجب ان يتأدب بها المسلمون كثيرة، فسوف نلمّ بما تيسر ومن ذلك: عدم تقليد النصارى وغيرهم في خاتم الخطوبة، أو ما يسمونه الدّبلة ، لسببين مهمين الأول: أنه من الذهب، والذهب والحرير محرم لبسهما على الرجال، بأي حال، ما لم يكن لسبب شرعيّ، ويتأكد ذلك في التحلي والزينة. الثاني: أن هذا الخاتم يعود الى عقيدة التثليث عند النصارى قديماً، حيث كان العروس يضع الخاتم على رأس إبهام اليسرى ويقول باسم الأب، ثم ينقله واضعا له على رأس السبابة، ويقول باسم الابن، ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول: وباسم روح القدس، وعندما يقول آمين، يضعه أخيراً في البنصر حيث يستقر وهذا كناية عن استمرار الحياة الزوجية لأن ذلك من تعاليم الكنيسة التي بدّلت بها دين عيسى عليه السلام حسب مؤتمر نيقيا وحرّموا فيه الطلاق والتزوج بأكثر من واحدة. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بأهل الكتاب وأمر بمخالفتهم وقال: (من تشبه بقوم فهو منهم). ملاطفة الزوجة عند البناء بها، بالحديث او بشيء من الشراب المباح، حتى ترتاح نفسها، لهذا الغريب الذي سيكون والد أولادها بهذا القران، والملاطفة تكون بمدخل حسن ينبىء عن حسن خلقه، كما عمل صلى الله عليه وسلم في ليلة البناء بعائشة رضي الله عنها، وروت ذلك أسماء بنت السكن التي زينتها لرسول الله عليه الصلاة والسلام. النظر إلى الزوجة عند الخطوبة بدون خلوة، حتى ترتاح النفوس، بما يحصل من رغبة قلبية، أو نفور، فلا يتم شيء لأن (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف)، وقد وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله الكريم: (هلاّ نظرت إليها ونظرت إليك) لأن للعين نظرة، تصل إلى القلب، وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك (بما لعيون الأنصار رضي الله عنهم من نظرة)، وبأن هذه النظرة، قد تكون كالإدامة لكل من الزوجين حتى لا يفاجأ كل منهما بما لا ترتاح اليه النفس من الآخر، فيكون من ذلك النفرة والفشل من الايام الأولى. ومن الآداب التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أن تبدأ الحياة بين الزوجين من أول ليلة بالدعاء والصلاة ليكون في ذلك بركة ووفاق، فبالدعاء ينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها، وأن يسمي الله سبحانه، ويدعو بالبركة، ويقول ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً، فليأخذ بناصيتها وليسمّ الله عز وجل، وليدع بالبركة ويقول: اللهم إني اسألك من خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشرّ ما جبلتها عليه) رواه البخاري وغيره,. وقبل ذلك إذا عزم على الزواج من امرأة، والمرأة مثل ذلك مع الرجل: الاستخارة وذلك بصلاة ركعتين ثم الدعاء المأثور برجاء مع الله (اللهم استخيرك واستهديك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وأنت على كل شيء قدير، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج من فلانة أو من فلان خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري فأقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أن الزواج -ويسميه- شرٌّ لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه وأقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به). ومن آداب الزفاف: أن ينوي الزوجان بنكاحهما، ما تدعو إليه تعاليم الإسلام، من كونه إعفافاً لهما عن كل ما حرم الله عليهما، وأن يغضا بصرهما عما حرم الله وأن يكون قصدهما إحصان نفسيهما عن الوقوع في الحرام، وأن يكثرا الذرية حتى يفاخر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فإن مباضعتهما تكون صدقة يحصلان بها الأجر بالنية الصادقة، لما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه: (إن ناساً من الصحابة قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم, قال: أوَليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تهليلة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ قالوا: بلى, قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر,, الحديث) رواه مسلم. - والوليمة من آداب الزواج لأنها سنة ولأنها إظهار للزواج والفرح به، ويرى بعض العلماء أن إجابة الدعوة للوليمة من آكد السنن، وأوجبها آخرون,, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أولِم ولو بشاة)، ولذا يجب مراعاة عدم المبالغة في الوليمة، وعدم الإسراف والتبذير، لأن الله جلّت قدرته نهى عن الإسراف وكذا التبذير، وقال عن المبذرين (إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين) (الإسراء 27). والوليمة المشروعة صبيحة البناء، وعلى المدعوين الاستجابة قدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من الألفة والمحبة، وللدعوة للعروسين بالتوفيق والذريّة الصالحة. ومما يثبّت الألفة والمحبة إحياء السنة بأن يأتي الزوج صبيحة أول يوم، اقاربه الذين أتوه في داره، ويسلم عليهم، ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل: صلة وبراً وتهنئة ودعوات، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بنائه بزينب بعدما أولم، خرج إلى أمهات المؤمنين، ودعا لهن وسلّمن عليه ودعون له عليه الصلاة والسلام,, لأن هذا أدب نبوي كريم، يحسن أخذه قدوة وعملاً، لما فيه من نزع لما قد يخالج القلوب من نفرة. وفي الوليمة، إن من الآداب الاقتصاد، وكذا المهر، وعدم المبالغة والفخر، بل يكتفى بإظهار السنة وبما لا يرهق، وما زاد على ذلك، يدّخره الزوجان لحياتهما ولبيتهما تأثيثاً وتكميلاً، حتى لا يرهق الزوج بالديون، ويتجرع الخسائر التي ينوء بها كاهله، وتستولي على هواجسه، فترة طويلة من الزمن,, وعلى ولي أمر الزوجة أن يكون عوناً للزوج وأهله في هذا,. - ويستحب للزوج في أول لقاء مع زوجته أن يفتتحا هذا اللقاء بالصلاة هو وهي ركعتين، وكان ابن مسعود يقول بعد الركعتين اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم فيّ، اللهم أجمع بيننا في خير، وفرّق بيننا إذا فرقت إلى خير, اللهم ارزقهم مني، وارزقني منهم, وعند اتيان اهله يقول: بسم الله اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا. أخبار الطفيليين: ذكر الخطيب البغدادي: في كتابه التّطفيل: أن المأمون أمر أن يحمل إليه عشرة من الزنادقة سمّوا له من أهل البصرة، فجمعوا وابصرهم طفيليّ، فقال: ما اجتمع هؤلاء إلاّ لمائدة، فانسلّ ودخل وسطهم، ومضى بهم الموكّلون حتى انتهوا بهم الى زورق قد أعدّ لهم، فدخلوا الزورق فقال الطفيليّ: هي نزهة فدخل معهم الزورق فلم يك بأسرع بأن قيد القوم، وقيد معهم الطفيلي فقال: بلغ تطفيلي إلى القيود، ثم سيّر بهم إلى بغداد، فدخلوا على المأمون، فجعل يدعو بأسمائهم رجلاً رجلاً فيأمر بضرب أعناقهم، حتى وصل إلى الطفيليّ وقد استوفى عدة القوم, فقال للموكلين بهم: ما هذا؟ فقالوا والله ما ندري، غير أنّا وجدناه مع القوم فجئنا به، فقال المأمون: ما قصتك ويلك؟ قال: يا أمير المؤمنين امرأتي طالق إن كنت أعرف من أقوالهم شيئاً، ولا أعرف الا الله، ومحمداً رسول الله، وإنما أنا رجل رأيتهم مجتمعين، فظننت طعاماً يفدون إليه,, فضحك المأمون وقال: يؤدب. وكان ابراهيم بن المهدي قائماً على رأس المأمون,, فقال يا أمير المؤمنين، هب لي أدبَه، أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي, فقال: قل يا إبراهيم, قال: خرجت من عندك يوماً في سكك بغداد متطرّباً حتى انتهيت إلى موضع سماه، فشممت يا أمير المؤمنين من جناح أبا زير قدور قد فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها، وإلى طيب ريحها، فوقفت على خياط وقلت له: لمن هذه الدار؟, فقال: لرجل من التجّار من البزازين قلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان, فرميت بطرفي إلى الجناح، فإذا في بعضه شباك، فنظرت إلى كف قد خرجت من الشباك، قابضه على عضد ومعصم، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكف والمعصم، عن رائحة القدور، وبقيت باهتاً ساعة، ثم أدركني ذهني، فقلت للخياط: هل عنده دعوة؟, قال: نعم وليس ينادم إلا تجاراً مثله, مستورين فإني لكذلك إذ أقبل رجلان نبيلان، راكبان من رأس الدرب، فقال الخياط: هؤلاء منادموه, فقلت: ما أسماؤهما وما كُنَاهما؟, فقال: فلان وفلان,, وأخبرني بكناهما,. فحركت دابّتي وداخلتهما، وقلت: جُعِلت فداكما، قد استبطأكما أبو فلان أعزه الله، وسايرتهما حتى أتيا إلى الباب، فأجلاّني وقدّماني فدخلت ودخلا، فلما رآني معهما صاحب المنزل، لم يشك اني منهما بسبيل، أو قادم قدمت عليهما من موضع، فرحب وأجلسني في أفضل المواضع,, فجيء بالمائدة وعليها خبز نظيف، وأتينا بتلك الألوان فكان طعمها أطيب من ريحها,, فقلت في نفسي: هذه الألوان قد أكلتها، وبقيت الكفّ، كيف أصل إلى صاحبتها، ثم رفع الطعام وجيء بالوضوء, ثم صرنا إلى منزل المنادمة,, واستظرفني وبعد انتهاء المنادمة خلوت معه,, فقال معجباً: من أنت يا مولاي؟ وبعد الإلحاح أخبرته بخبري وقصّتي مع الكف والمعصم,. فقال: أما الطعام فقد نلت منه، ثم نادى على جواريه واحدة واحدة فأنظر إلى كفها ومعصمها فأقول: ليست هي فقال: والله ما بقي غير أمي واختي، والله لأنزلهما إليك, فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت أبدأ بأختك,, فزلت فلما رأيت كفها ومعصمها، قلت: ذه,, فأمر غلمانه فأحضروا عشرة مشايخ ودفع صداقها وأشهدهم فقبلت النكاح فحملتها الى منزلي فجعل الله فيها، وأولدتها هذا القائم على رأس امير المؤمنين فعجب المأمون من كرم الرجل (105 7).