كادت الصدامات بين أنصار التيار الصدري والمليشيات الموالية لإيران يومي 29 و30 أغسطس داخل المنطقة الخضراء أن تُدخل العراق في أتون حرب أهلية حقيقية. المنطقة الخضراء التي هي مركز الحكم تعد أخطر مناطق العاصمة بغداد وأكثرها أهمية، إذ تضم مقرات الرئاسات الأربع (الجمهورية، البرلمان، الحكومة، ومجلس القضاء الأعلى). الصدام الأخير كشف حقيقة عجز القوات الأمنية عن منعه رغم أنه اندلع في مساحة أقل من 10 كيلومترات مربعة، إلا أنها أخفقت في منع وصول السلاح والمسلحين إلى داخل المنطقة الخضراء. وهو ما يقود إلى القول إن أية جهة تمتلك سلاحا ستكون قادرة على فرض الأمر الواقع بقوة السلاح طالما أن القوات الأمنية على هكذا حال. وطيلة يومين من الصدامات في المربع الأمني لمؤسسات الحكم، كان مثيرا للانتباه غياب الرئاسات الأربع وأعضاء البرلمان (329 عضوا) عن المشهد وتواريهم عن الظهور الإعلامي. وبالعودة إلى ما جرى من أحداث للصدام الذي أوقع العشرات من الضحايا استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة ما جعل سكان بغداد يعيشون حالة رعب كبيرة في مواجهة ما لا يمكن أن يوصف إلا ب«حرب أهلية حقيقية» خصوصا أنه بعد ساعات من الصدام وصلت شرارته إلى 5 محافظات أخرى وسقط في الساعات الأولى منه ضحيتان و30 جريحاً. لذلك سارعت المرجعية العليا في النجف لإيفاد محمد رضا السيستاني نجل المرجع الشيعي علي السيستاني إلى «الحنانة» للقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لنزع فتيل الأزمة بسرعة خشية انزلاق الوضع إلى لحظة يصعب السيطرة عليها وتفلت الأمور من يد الجميع. وفي تصريح إلى «عكاظ»، كشف قيادي في التيار الصدري -شرط عدم الإفصاح عن اسمه- تفاصيل ما جرى في هذا اللقاء بقوله: «تم الاتفاق بين مقتدى الصدر ومحمد رضا السيستاني على مطالبة الأول لأتباعه بالانسحاب من المنطقة الخضراء في مقابل أن تصدر المحكمة الاتحادية، في الوقت الذي تراه مناسباً بعد أن تخف الأزمة، قراراً بحل مجلس النواب (البرلمان)، على أن تتبعه بعد عدة أيام استقالة إحدى الرئاسات الأربع». ولعل ذلك يفسر سبب إيفاد المرجعية العليا في النجف وفداً لتقديم التعازي في مجلس عزاء ضحايا التيار الصدري في اشتباكات المنطقة الخضراء، وعدم إرسال وفد مماثل لمجلس عزاء ضحايا «الإطار التنسيقي». وبشأن التهديدات التي بدأت تصدر عن قيادات التيار الصدري بعد انسحابهم من المنطقة الخضراء، أفاد المصدر ذاته «بأنها موجهة إلى المحكمة الاتحادية حتى لا تحاول أن تتجاهل حل مجلس النواب، وأن رسالتهم وصلت، وهي أنه بإمكاننا الوصول لأية نقطة في اللحظة التي نريد، وأن أي تجاهل لمطلبنا سيضطرنا إلى العودة مجدداً».