يوم أن مات الأمير محمد العبدالله الفيصل في مثل هذا اليوم قبل 11 عاماً، أطبق الحزن بدفتيه على أوساطٍ إبداعية كان فيها مؤثراً ولها داعماً وإليها منتسباً. مُصابٌ جلل حل بالأوساط الأدبية والرياضية والاجتماعية، برحيل رمز ما انفك يثريها بعطائه السخي حتى رمقه الأخير، وما برحت ذاكرتها حتى اليوم بما أورثه من مؤلفات وذكريات وإنجازات وسيرة عطرة، ما زالت تحلق في فضاءات الحياة وتجوب حنايا الأدب والأدباء، والفن والرياضيين! محمد العبدالله الفيصل، أيقونة متفردة بعطائه المتعدد وحضوره المتجدد طيلة حياته، كان مقداماً شجاعاً في خوض التحديات الصعبة، يصيبه النفور من التردد والإرجاف، ولا يأبه لأولئك المثبطين الذين يعرقلون أهدافه الناجحة بقلقهم الدائم وتوجسهم المستمر، الأمر الذي مكنه من هزيمة الكثير من الصعوبات حتى بلغ مكانة مميزة في جميع المجالات التي انتسب إليها بأي شكل كان.. تشرب من بيت جده الملك فيصل (رحمه الله) هذه الشجاعة، ونهل من معين والده الشاعر الكبير عبدالله الفيصل صنوف الأدب والإدارة وحب «الأهلي»، تمرس على الإدارة والاقتصاد من عمله في مجالس إدارات البنوك ومؤسسة النقد أول حياته، لكن الشعر والأدب كانا يجنحان به إلى إبداع مختلف، حتى تدفقت قريحته بمجموعة أدبية مميزة مثلت هوية خاصة به، وشكلت نمطاً شعرياً مستقلاً جعله إحدى المدارس الشعرية في الشعر العامي والغنائي الخليجي يُشار إليه بالثناء! يحسب للأمير محمد العبدالله الفيصل، أنه استعاد صوت الأرض طلال مداح من دوامة الانكسار الفني، بعدما نالته في مرحلة معينة لواهب الإحباط وأصابه الفتور والابتعاد، وأحدث نقلةً تاريخية في مشواره عبر أغنية قدمها له آنذاك حرص على أدق تفاصيلها، قلبت لاحقاً الطاولة على منافسيه واكتسح بها الساحة، «مقادير» اللحن العبقري للراحل الموسيقار سراج عمر، الذي لحق به بعد سبعة أعوام، إذ شكلا لهذا العمل انطلاقة جديدة لزرياب الغناء السعودي وقتذاك، أسس من خلالها قاعدة صلبة جديدة مكنته من العودة وريادة الفن الخليجي بقوة، وواصلا بعدها سلسلة من النجاحات التي توقفت برحيل أضلاع هذا العمل التاريخي! وفيما تجيء الذكرى الحادية عشرة لوفاته، وفريقه الذي عشقه ودعمه وخطط لأن يكون في مقدمة الكرة السعودية أصبح في دوري الدرجة الأولى، ودّ الأهلاويون لو أنه كان حياً ليغير خارطة الفريق الجداوي العتيق، الذي أعطاه مساحة كبيرة من حياته وكرس له اهتمامه وحقق معه أهم البطولات المحلية والعربية، حيث عُرف عنه محبته الشديدة لهذا الكيان الذي ترأسه مطلع الثمانينات، وكان شديد الالتصاق به طيلة حياته بصفته مشرفاً عاماً وعضواً داعماً، كان من أشهر ما قدمه من دعم إحضاره للمدرب العالمي البرازيلي تيلي سانتانا الذي حقق إنجازات لا تنسى مع القلعة.. ثقافياً، يعد الراحل من مؤسسي مؤسسة الفكر العربي وعضو مجلس الأمناء وعضو مجلس أمناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وصدرت له خمسة دواوين هي همس القلوب، دروب الليالي، الأخير، واختتمها بالمجموعة الأدبية «آخر المشوار» التي احتوت قصائده كاملة.