نكمل تحليلنا السريع لكتاب السفير المخضرم عبدالله بن عبدالرحمن عالم، المبعوث الدبلوماسي السعودي في عشر دول، على مدار نصف قرن. والكتاب بعنوان: تأملاتي وحصاد السنين (جدة: المؤلف/ دار المنهاج للنشر والتوزيع، 2021م). وكما ذكرنا سابقا، يقع الكتاب في 416 صفحة من النوع المتوسط. وقد استغرقت الصور الفوتوغرافية عن الحياة الخاصة والعملية، حوالى ثلث حجم الكتاب. ومن الوهلة الأولى، يبدو الكتاب وكأنه سيرة ذاتية موسعة لكاتبه. وقد تبين أنه بالفعل كذلك، بالإضافة لكونه يحفل بالمعلومات، والمواقف التي مورست فيها المهارة الدبلوماسية، وتجلت فيها الخبرة، والمعرفة، بما يفيد من يخوض تجارب مشابهة. قسم السفير كتابه إلى: مقدمة، وقسمين رئيسين: القسم الأول: خصصه للحديث عن مسقط رأسه، مدينة مكةالمكرمة، التي لم يترك سانحة إلا وعبر فيها عن ولعه وحنينه الدائم لهذه البقعة المقدسة. احتوى القسم الأول على ثلاثة فصول: الفصل الأول بعنوان مكةالمكرمة: المكان والإنسان. والفصل الثاني تحدث فيه عن «الطوافة»، ونشأتها، باعتباره من عائلة تمارس الطوافة. وفي الفصل الثالث تحدث عن ميلاده، ونشأته في محبوبته مكة. أما القسم الثاني من الكتاب، فقد تضمن عشرة فصول، أو على الأصح، عشر «محطات» - كما سماها - وتعني العشر الدول التي مثل بلاده فيها، كمبعوث دبلوماسي دائم. وفي كل محطة، تحدث عن عمله وذكرياته بها. وهذه الدول هي (بالترتيب): مصر، لبنان، نيجيريا، اليابان، السودان، أمريكا، تونس، الصومال، أندونيسيا، عمان. فقد قضى حوالى نصف قرن، يخدم بلاده، ويمثلها في هذه الدول العشر... بدءا بمصر، وانتهاء بعمان. إضافة إلى ذلك، أورد بعض الذكريات، والإنجازات، وما قدمه من جديد. وأنهى كتابه ب «خاتمة» موجزة. ومن أبرز إنجازاته، تشجيع المرأة السعودية، بدءا من السيدة الفاضلة زوجته، وغيرها، للانخراط في العمل الدبلوماسي، والخيري، خدمة لبلادهن. وما مارسه سعادته من مهام وساطة، وجهود توفيقية بين فئات متناحرة. وقد انعكست هذه الجهود بالإيجاب على صورة المملكة، ومكانتها الدولية. **** جاء في علم العلاقات الدولية، بمواضيعه عن الدبلوماسية والقانون الدولي والدبلوماسي، أن السفير، أو المبعوث الدبلوماسي لأي بلد، يقوم - قانونا وعرفا وواقعا - بوظائف عدة لصالح دولته، وبكل ما يملك من مهارة، وحكمة، أهمها الوظائف الخمس التالية: 1- العناية برعاية وحماية مواطني بلده، في الدولة المبتعث إليها. 2- تمثيل بلده، رسميا، والتعبير عن إرادة حكومته، ومواقفها تجاه القضايا الثنائية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك. 3- التفاوض باسم بلده، عبر الاتصال بالمسؤولين بحكومة البلد المعتمد لديه. 4- كتابة التقارير، وتوفير المعلومات عن أوضاع وأحوال البلد المضيف. 5- الإسهام في رسم وتنفيذ السياسة الخارجية لبلده، خاصة تجاه الدولة المعتمد فيها. **** ومن قراءة كتابه «تأملاتي وحصاد السنين»، نجد أن السفير عبدالله عالم قد قام بهذه الوظائف، وغيرها، خير قيام، بدليل استمراره في الخدمة الدبلوماسية التي أحبها منذ نعومة أظافره، وتدرج فيها للأعلى (من ملحق سياسي إلى سفير) على مدار نصف قرن، وخدمة بلاده في عشر دول. وصف فترة اعتماده، كمبعوث دبلوماسي دائم، في كل من هذه الدول ب «المحطة». وكانت محطته الأولى جمهورية مصر الشقيقة. كانت القاهرة أول عاصمة يصل إليها الدبلوماسي الشاب، حينئذ، عبدالله عالم، لأداء عمله. وفيها بدأ دراسته الجامعية، متخصصا في علم الاجتماع. ولكنه اضطر لمغادرة مصر عام 1962م، قبل أن يستتب في ممارسة عمله، ويكمل دراسته الجامعية. عاد إلى جدة، التي كانت مقرا لوزارة الخارجية، متحسرا على انقطاعه عن تمثيل بلاده، وعلى توقفه عن الدراسة. فهدأ السيد عمر السقاف، وكيل وزارة الخارجية آنئذ، من روعه، ووعده بإرساله إلى دولة أخرى، يستطيع فيها إكمال دراسته، ومواصلة عمله في الوقت ذاته. فأصدر قرارا بتعيينه في السفارة السعودية بلبنان. وهناك، أكمل دراسته الجامعية، وعمل لأربع سنوات (1962 - 1966م). وبعد ذلك، بدأ رحلة «المحطة الثالثة» (نيجيريا). وهكذا، حتى «المحطة العاشرة» (عمان). وكانت محطته «السادسة» هي واشنطن، العاصمة الأمريكية، التي وصلها، بعائلته، في سبتمبر 1981م. كان سفير المملكة بأمريكا، هو معالي الشيخ فيصل الحجيلان، الذي عاد إلى المملكة لمدة طويلة. فكلف السفير عالم بإدارة السفارة مؤقتا، كقائم بالأعمال. وعين بعد ذلك صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان سفيرا للمملكة بأمريكا. وعمل السفير عالم مع سموه. **** ولد السفير عبدالله عالم بحارة الشبيكة، بمكةالمكرمة، يوم 19 يناير 1939م. وكان ذلك يوافق يوم عرفات (9/12/1357ه). وبدأ حياته العملية، موظفا في وزارة الخارجية، سنة 1956م، أي منذ أن كان عمره 18 سنة فقط. وتقاعد في العام 2008م. أي أنه تفانى في خدمة بلاده في السلك الدبلوماسي 52 عاماً. نسأل الله له دوام الصحة والعافية، وطول العمر. إن السفير عالم يعتبر من فئة المواطنين الأكارم، التي تستحق من نظرائها المواطنين، الشكر والتقدير والاحترام، على ما بذلته من جهد، وقدمته من عطاء لا حدود له، لخدمة بلادها، ثم ترجلت بالتقاعد. وهذه الفئة موجودة في كل بلد. وفي بلادنا العزيزة، توجد أعداد كبيرة، نسبيا، منها. هذه الفئة النبيلة تمثل، أينما حلت، ثروة وطنية لا تقدر بثمن. فهي مخزن جزء من تاريخ وحضارة بلدها، وتكتنز علما واسعا، وخبرات ثمينة، وثقافة عميقة. ونتساءل هنا: أين جامعاتنا، ومراكز البحث والاستشارات لدينا من هؤلاء؟! الدول المتقدمة تستفيد من القادرين على العطاء من هذه الفئة، التي كثيرا ما نرى نجوما منها تتلألأ، في الجامعات ومراكز البحث والاستشارات بتلك الدول، وتواصل خدمة أوطانها.