نتداول كثيرا مصطلح «جودة الحياة» وهو أحد المشاريع المهمة لرؤية المملكة 2030، والإقرار بأهمية هذا المشروع يذهب بنا إلى أن التنمية التي نعيشها ليست تنمية اقتصادية فقط وإنما تنمية اجتماعية وتنمية ذاتية للأفراد، فالرؤية تحمل قلبا اقتصاديا تحركه أذرع لا يمكن التغافل عنها وهي البيئة والإنسان الفكر والثقافة، وبالاستعانة بالتقنية وثورة الاتصالات الحديثة نذهب إلى أن مفهوم جودة الحياة مفهوم شامل للحياة، ولكن أي الطرق أقصر للوصول لتحقيق جودة الحياة هل هو الطموح الذي يدفعنا للعمل ساعات وساعات؟ أم الشغف أي الرغبة والحب لما نعمل وننجز؟ وهنا تظهر أهمية الضبط المفاهيمي الصحيح للتعريفات لتحقيق الفعل الذي نريد! يعرف جيمس ميللر، صاحب كتاب «أفضل مدير وأسوأ مدير»، الشغف أنه الميل القوي نحو عمل أو نشاط معين، بحيث يستثمر فيه الشخص معظم وقته وجهده، فالاستثمار كلمة مرادفة دائما لتحقيق طموحك في المجال الذي تريد ونلحظ أن هذه الكلمة «الاستثمار» تأتي من حقل الخطاب الاقتصادي لعلمنا أن الاقتصاد وقوته الضاربة قد طغى حتى على المصطلحات في العلوم الإنسانية والاجتماعية والإدارية، ولذلك لابد عند التعامل مع مشروع بحجم «جودة الحياة» أن نراعي أننا أمام استثمار هائل لهذا الشغف، ونحاول قدر الإمكان البعد عن الممارسات التي تؤدي إلى تعطيل أو قتل هذا الشغف من خلال ممارسات وظيفية تؤدي إلى الإحباط، فقد أجرى معهد «غالوب» دراسة على أكثر من 180 مليون شخص ووجد أن 13% منهم فقط يمارسون أعمالهم بشغف! هذه النسبة المتدنية جدا مؤشر من المؤشرات التي تنبئ بالخطر المحدق الذي يصيب المنظمة التي لا تراعي الشفافية والنزاهة في اختيار القيادات أو التعامل مع الموظفين مثلا! «انطلق باتجاه القمر حتى وإن فشلت فستستقر بين النجوم»، المقولة السابقة معبرة جدا عن تعريف الطموح، فالرؤية الطموحة التي تتجه نحو الأعلى دائما وتملك منصة انطلاق قوية جدا تأتي بنتيجة مذهلة، وفي أسوأ النتائج ستستقر بطموحك قريبا من القمر! فالطموح عامل مهم بجانب الشغف لتحقيق جودة الحياة. ويرتبط مفهوم جودة الحياة كذلك بالكثير من المفاهيم الأخرى ذات الأهمية مثل السعادة والشعور بالرضا الشخصي والجوانب الروحية والدينية والمشاعر والأنشطة الإيجابية مثل التفاؤل والأمل والإيثار والحب والحكمة والمرونة التي تمثل جميعها قوة بشرية فريدة من نوعها في تحقيق جودة الحياة. فخصوصيات الجودة في مختلف مجالات الحياة وعلى وجه التحديد المشاعر الإيجابية ونقاط القوة تسهم في حياة أكثر سعادة وصحة ونجاحا في مواجهة الشدائد. ومن الضروري أن نعلم أبناءنا وأفراد المجتمع عموما مفاهيم ومفاتيح جودة الحياة وأنها ليست في تحقيق الثروة والوضع الوظيفي، بل أيضا في كيفية تحقيق جودة الحياة في مختلف صورها وأشكالها ومجالاتها، من خلال الاهتمام بتحقيق التوازن بين الجوانب الجسمية والعقلية والاجتماعية والعلمية والروحية والترفيهية والعمل على تنمية قدرات ومهارات ومفاتيح النجاح في الحياة والتغلب على مشكلاتها وشدائدها، وغرس الأفكار والمشاعر الإيجابية، حتى يستطيع الفرد أن يفيد نفسه ومجتمعه، فيشعر بأهميته وقيمته ونجاحه في الحياة والمجتمع.