الاهتمام الحقيقي بالسياحة السعودية بدأ قبل ثلاثة أعوام، وكان ذلك في ورشة عمل ترأسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وحملت عنوان: حديث السياحة، وقامت الورشة بدراسة الوضع السياحي في المملكة، وخصصت منظومة لخدمتها، أبرزها: وزارة السياحة المسؤولة عن التشريع، وهيئة السياحة التي تقوم بمهمة تسويق الوجهات السياحية، وصندوق التنمية السياحي الذي يعمل على استقطاب الاستثمارات وتمويل المستثمرين، وفي فبراير الأخير تم إقرار استراتيجية للسياحة الرقمية لرفع الأعداد إلى مئة مليون سائح في العام، وفي 13 أبريل الجاري، أو قبل خمسة أيام، أقرت الدولة تأسيس مجالس لتنمية السياحة في إمارات المناطق، وهذه المجالس ستعمل على تطوير المزارات السياحية في مناطقها، وستهتم بزيادة ودعم استثمارات ومبادرات القطاع الخاص، وكل هذا سيرفع من جودة معاييرها وخدماتها. قطاع السياحة يعتبر ثاني أكبر القطاعات نموا في العالم، ولا يسبقه إلا القطاع الصناعي، وفي 2019 وصلت عوائد الاقتصاد العالمي من السياحة لما قيمته تريليون دولار، واستطاعت توفير 7 ملايين وظيفة، والمتوسط الدولي لمشاركة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي في حدود 10%، وتحاول المملكة الوصول إلى هذا الرقم في 2030، وبما يحقق توطين 50% من الإنفاق الخارجي السياحي، فإجمالي إنفاق السعوديين في الخارج يتجاوز 22 مليار دولار. أنماط السياحة متنوعة، فهناك السياحة البيئية كشلالات نياغرا، التي يزورها 30 مليون سائح، والسياحة الترفيهية كعالم ديزني في أمريكا، وهو يمثل وجهة يزورها 20 مليون سائح، والسياحة التاريخية كسياحة الأهرامات في مصر، ويزورها خمسة عشر مليون سائح، والسياحة الثقافية كمتحف اللوفر في فرنسا، الذي يزوره عشرة ملايين سائح، والسياحة الفنية لدار الأوبرا في سيدني، التي يزورها أحد عشر مليون سائح، والمملكة تستهدف هذه الرغبات السياحية في مشاريع من نوع نيوم والقدية وحي طريف التاريخي بالدرعية، ومعها جزر البحر الأحمر والعلا والسودة، وسياحة الفعاليات الرياضية، والسياحة العلاجية أو الاستشفائية وغيرها. منظمة السياحة العالمية أقامت مركزها الإقليمي وأكاديميتها للشرق الأوسط في الرياض، وفي هذا إشارة إلى قيادة الدولة للمنطقة في المجال السياحي، وأطلقت المملكة بالتعاون مع البنك الدولي صندوقا دوليا لدعم السياحة الشاملة، وساهمت فيه بما قيمته مئة مليون دولار، وأعلنت القيادة السعودية في فترة سابقة عن المركز العالمي للاستدامة السياحية، وبما يضمن جعل الأنشطة السياحية صديقة للبيئة، وسيطلق المركز إسهامات تدريبية وبحثية وتشريعية في مجال عمله. لعل ما نحتاجه، في الوقت الحالي، هو أدلة إجرائية تعمل عليها الوجهات السياحية بلا اجتهادات شخصية، وأن تكون الخدمات السياحية وأسعارها مناسبة لكل شرائح السياح ومقاربة لمثيلاتها في الخارج، ومن المهم توثيق التجارب السياحية من القدوم وحتى المغادرة للمواطنين وغيرهم، وتسجيل الملاحظات والانطباعات والاقتراحات، لبناء نماذج عمل سياحية تناسب كل الفئات المستهدفة.