لا تغيب عبارة «حقوق الإنسان» عن أي مقال غربي يتحدث عن السعودية. حتى المقالات الرصينة هناك والتي تتناول الشأن السعودي بإيجابية على قلتها، لا يمكن أن تتغاضى عن ذكر هذه الأسطوانة، وكأن عدم الإشارة لهذا الموضوع يعتبر انتقاصاً من مصداقية الكاتب. كسعودي أتمنى لو يخبرني أحد من هؤلاء عن تفاصيل غياب الحقوق الإنسانية المزعومة التي يتحدثون عنها في المملكة. إن كان القضاء على الإرهاب فكراً وعملاً يعد انتقاصاً من حقوق الإنسان المتهم أو المدان بهذه الجرائم فهذه ممارسة طبيعية ضد جميع المجرمين القتلة حول العالم. على الأقل لا يوجد في المملكة سجن يشابه سجن جوانتانامو الشهير. إن كانت مكافحة آفة المخدرات وإنزال العقوبات المعلنة سلفاً على المهربين والمروجين للمحظورات من مخدرات وأسلحة تعتبر مخالفة لحقوق المروجين فهذا شأن أمني سيادي تمارسه كل دولة من دول العالم حسب أنظمتها العدلية. إن كانت محاولات المملكة لإعادة الأموال المسروقة من اللصوص الهاربين للخارج عبر ملاحقاتهم قانونياً يشكل خللاً في حقوق الإنسان السارق بوجود الجرم المشهود فهذا بالطبع اتهام مرفوض. إعادة المليارات من الدولارات المسروقة ستوفر آلاف الفرص الجديدة للإنسان السعودي الشريف، وبالتالي تعتبر إعادتها حقا مشروعا، بل إن التغاضي عن ذلك وتوفير الحماية للص تحت أي ذريعة يعتبر خللاً أخلاقياً في أدنى المستويات. هل سمعتم أحداً يتحدث عن أي تفرقة عنصرية أو عرقية داخل هذه المملكة الزاخرة بالعديد من الألوان والأعراق والمذاهب دون أن تطاله يد النائب العام والمحاكم والقانون؟ مقابل ذلك نرى الحديث عن العنصرية في الولاياتالمتحدة يصم الآذان ويكرس وجودها. ليس لأن العنصرية فعلاً منتشرة بهذا الشكل هناك، بل لأن الساسة وأصحاب المنافع يتكسبون من تناول القصة إلى حد القرف دون مساءلة وربما دون إدراك أن ذلك يكرس وجودها بالفعل ويبقيها على السطح. الضحايا هنا «الأدوات» المستخدمة هم الأقليات من السكان. أين حقوق الإنسان هنا؟ كيف يمكن إلصاق مثل هذه التهم على السعودية والمجتمع السعودي بأكمله يقرأ ويرد ويعلق عبر منابر الميديا على كل حدث سواء داخلياً أو خارجياً دون مساءلة. هل يريدون منا مثلاً أن نكره قادتنا ونخلق معارضة من العدم إرضاء لأهوائهم وإقناعهم أن السعوديين يتمتعون ب «الديموقراطية»!؟ تمكين المرأة السعودية وحده يلغي كل هذه التهم سواء استحقاقاتها من الحقوق الخاصة (قوانين الأحوال الشخصية) أو من فرص العمل أو مساواة راتبها مع الذكور أو تقلدها للمناصب القيادية في الدولة أو في القطاع الخاص. حماية البيئة والثروة الحيوانية ومعاقبة من لا يبالي في المحافظة عليها لا يمكن أن تقوم عليها حكومة مستبدة ظالمة. إنفاق المليارات في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والرفع من مستويات جودة الحياة والدعم الهائل للبحوث العلمية وفرض وجود المحتوى المحلي للصناعات المتقدمة وتسهيل إجراءات الممارسة التجارية والحرب على الفساد وغير ذلك الكثير مما قد لا توفره دول «متقدمة»، هي إجراءات وأنظمة هدفها الرئيسي بناء الإنسان والاقتصاد داخل المملكة. حتى في السجون نشاهد التعامل الإنساني الفريد المتمثل في إعادة تأهيل من تم التغرير بهم وتحويلهم من مشاريع فاسدة إلى منتجين داخل السجن نفسه. هل قام أحد من رجال الأمن السعوديين بازدراء المساجين والتمثيل بهم كما حدث في سجن «أبو غريب» مثلاً؟ أما ما يقال أحياناً حول النظام السياسي في السعودية، وهو النظام الملكي مقارنة بالنظام «الجمهوري»، فهذا غير مقبول هو الآخر ولا يستند لقاعدة صلبة. الرد الأبلغ على ذلك وما هو الأصلح لكل دولة أو كيان هو ما أدلى به سمو ولي العهد بالتفصيل والوضوح التام مع مجلة «ذا أتلانتيك» قبل أسبوعين. ثم ما فائدة الحديث عن مبادئ الديموقراطية والحقوق ونحن نشاهدها تنهار هذه الأيام من خلال ممارسات فظيعة وعقوبات جماعية تمارسها دول تعتبر الأقدم «ديموقراطياً» ضد أفراد روسيين ليس لهم علاقة بالحرب الدائرة في أوكرانيا. إنهم وأمام ذهول العالم يطبقون حقيقة أن الوازرة تزر لأخرى خلافاً للقاعدة القرآنية المعمول بها في المملكة «ولا تزر وازرة وزر أخرى». المذهل هنا أن معظم المنابر الغربية ومن يكتب بها يتناولون أيضاً إيران في مواضيعهم بحكم وجود المفاوضات معها في فيينا دون أن يلصقوا في موادهم الصفة المعروفة عن إيران كدولة تعتبر الأولى عالمياً في رعاية الإرهاب وغياب الحقوق. السعودية فقط هي المتخلفة في حقوق الإنسان! لم يذهب أحد على سبيل المثال، داخل إيران ويصف ما يعاني منه الإيرانيون من تفشٍ للفقر والمخدرات والتضخم وانهيار العملة. لم يتحدث أحد عن قمع التظاهر وإطلاق الرصاص الحي على المواطنين في طهران وشيراز والأحواز وغيرها. لم يطلب أي مراسل غربي من حكومة إيران زيارة سجونها كما فعل فريق التحرير في المجلة المشار لها أعلاه عندما زار إصلاحية الحاير السعودية جنوبالرياض، وانبهر بما شاهده من رقي في معاملة المساجين. لم يتساءل أحد عن عدد القتلى الذين قضوا في سوريا على يد إيران ومليشياتها. يتجاهلون قوائم من تم اغتيالهم في لبنان من سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال على يد المليشيات الإيرانية هناك. الحقيقة التي لم تعد خافية على أي متابع أن متلازمة «حقوق الإنسان» هي ببساطة وسيلة ضغط موجهة فقط ضد الوطن السعودي وقيادته الوثابة وما تحمله من مبادرات مستقبلية ضخمة ونتائج بدأت بالظهور وفاقت كل التوقعات. هذا هو السبب الذي يُبطل معه العجب وهو ذات السبب الذي يدفع الشعب السعودي للتمسك بنظامه السياسي والولاء لقيادته والتمسك بقيمه والتفاني في المساهمة في تحقيق الأهداف والتطلعات.