منذ فجر التاريخ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والأعداء وضعاف النفوس مازالوا يتربصون بالأوطان الآمنة المستقرة، يحرضون ويروجون الإشاعات الكاذبة لإيذاء الناس لزعزعة المجتمعات والتشكيك في قرارات البلدان. أصبحت تلك التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية والدول المعادية، تملك أرخص سلاح يمكنه تحقيق أكبر النتائج المؤذية إذا لم تجد من يتصدى لهم ويوقفهم عند حدهم. الشائعات ليست وليدة اليوم، ففي الصين القديمة مثلا استخدم الشائعات كثير من العرافين والعسكريين للتأثير على الآخرين في الحروب، وفي اليونان القديمة استخدموا الشتائم والتشهير للتأثير على الروح المعنوية للخصوم، كما أدت الشائعات إلى موت سقراط بتهمة أنه كان يفسد أخلاق الشباب في أثينا، ويدفعهم إلى التمرد والعصيان، فيما يعتبر المغول من بين أشهر من استخدم الشائعات في العصور الوسطى، إذ كانت الشائعات سبباً رئيسياً في انتصاراتهم على المسلمين لما أحدثته تلك الشائعات من رعب في النفوس. الكلمة مسؤولية، ولا بد أن نعي كيف نتعامل معها، فربَّ كلمة أدت إلى خصومة، وأخرى فرقت شمل أسرة، وربَّ كلمة أنقذت حياة وجمعت شملا، قال رسول الله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت». الحديث هنا اليوم، عن حروب الجيلين الرابع والخامس، التي تعتمد على التقنيات واستغلال منصات «السوشيال ميديا» وإطلاق الشائعات من خلال عمليات «القص واللصق» والفبركة والاستعانة بأرشيفات الفيديو والتصريحات القديمة وربطها بصورة تبدو «محكمة» لخلق سياقات جديدة يسهل تصديقها. الخطر هنا ليس من صانع الإشاعة فقط، بل الخطر الموازي يقع على عاتق كل من ساهم في ترويج وانتشار الإشاعة، وهو ما يعد في حكم القانون والشرع خيانة للدين والوطن، فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وكم حطمت من عظماء، وهدمت أوطانا، وتسببت في جرائم، وهزمت جيوشا، وكم أخرت الإشاعة في سير وتقدم أقوام وأقوام. لا تكن خائنا لوطنك بحسن نية، أو بتداول أمر قد تعتقد أنه من باب الفكاهة و«الطقطقة» ولكن تأثيره ضار ومفسد للمجتمع ويدعو إلى الريبة. لذا يجب علينا جميعاً مواطنين ومقيمين ننتمي لهذا البلد المعطاء، التكاتف، وأن نكون أكثر وعيا وفهما لما يدور من حولنا، وألّا ننساق وراء أي أمر دون تمحيص وتوثيق. يتوجب علينا الثقة بأجهزة الدولة ومصادرها الرسمية، والأمر أصبح أكثر سهولة للوصول للمعلومة، إذ إن لكل جهة حساب رسمي في مواقع التواصل الاجتماعي، فعلينا استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية ووضع حد للشائعات ومروجيها؛ لأنها مرض سريع الانتشار ينهش خلايا المجتمع المترابط. ونسأل الله أن يشفي من اُبتُلِيَ بهذا المرض.. وللحديث بقية..