عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أنَّ رجلاً أتى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلمَ فقال يا رسول الله: أُرسِل ناقتي وأتوكل، أم أعقِلها وأتوكل؟، قال: (بل اعقِلها وتوكل)»، وفي رواية أخرى عن عمرو بن أمية رضي الله عنه «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: «أُرسل ناقتي وأتوكل؟، قال: (اعقلها وتوكل)». هذا الحديث يبين أهمية اتخاذ الأسباب قبل القيام بأي فعل، لحفظ النفس والمال وجلب الخير ودفع الشر، وكما قيل «من رمى نفسه في الماء أبتل»، وهكذا حال من كان بينه وبين التقيد بوسائل السلامة نفرة، لا لشيء إلا إنه كما زعم متوكل، وهو في الحقيقة عَمِل بجانب من الحديث وغفل عن الآخر. إن الذي يستقل مركبته ويكتفي بدعاء الركوب، وهذا شيء حسن، في حين يترك فعل الأسباب من التقيد بوسائل السلامة مثل ربط الحزام والالتزام بالسرعة المحددة واحترام إشارات المرور والسائقين الآخرين، وقبل ذلك التأكد من سلامة المركبة قبل الانطلاق بها، إنما هو كالطائر يريد أن يطير بجناح واحد. إن التوكل الحقيقي هو أن تعتمد على الله وتعمل بالأسباب وتمد يدك للسلامة، كي هي تمد يدها لك، فكم من هاجر لها تندَّم بعد ما فقد ماله أو صحته أو إنسان عزيز على نفسه بسبب تركه أو إهماله لفعل الأسباب. نحن لدينا أوقات وجهود نضيعها فيما هو أقل أهمية من سلامتنا وسلامة من يكون في معيتنا وسلامة من يشاركنا الطريق، فلماذا نبخل بوقتنا وجهدنا عندما يكون ذلك في سبيل ألا نخسر شيئاً من ذلك!، كم سيستغرق تفقد المركبة قبل سيرنا في طريق طويل مقابل الوقت الذي سنجبر على خسارته حينما نتعطل وننتظر من يقف لمساعدتنا إلى حين إصلاح العطل!، كم من الوقت سنوفره في سرعة قاتلة في مقابل الوقت الذي سنخسره عندما -لا قدر الله- نتسبب على أنفسنا بحوادث تتطلب أياماً طوالاً أو أشهراً حتى نتعافى من تبعاتها لما الجفاء مع أسباب السلامة!.. فهيا نمد يدنا للسلامة ونصافحها.