ما أجمله من عنوان للحملة الأمنية التي انطلقت منذ وقت ليس بالقصير في المملكة، فالتوكُّل على الله سبحانه وتعالى من مظاهر الإيمان به، والتسليم له والاعتراف بأن كل شيء بيده عزَّ وجل، ولا إيمان بلا صدق توكُّل على الله، وفي الرّبط بين هذا المعنى الإيماني، وبين واقع الحياة ما يحقق معنى شمولية شريعتنا المباركة، ومعالجتها لكل قضايانا الاجتماعية، والسياسية، والأمنية، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لذلك الرجل الذي سأله: هل يعقل ناقته حتى لا تهرب منه، أم يدعها ويتوكل على الله: «اعقلها وتوكل»، فإنه بذلك يوجَّه كلِّ إنسان الى بذل السبب مع صدق التوكُّل، والحديث يشير الى أهم وسيلة للنقل في ذلك الزمن ألا وهي «الناقة»، وهو يتجاوزها الى كل وسيلة مهما كانت مواصفاتها ونوعها، لأن الأمر بالتوكُّل على الله سبحانه وتعالى قائم الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أن الأمر ببذل الأسباب حسب القدرة والاستطاعة، قائم الى قيام الساعة. «اعقلها وتوكل» جملة من حديثٍ شريف، وضعت عنواناً للحملة الأمنية المباركة، فهي ذات دلالة واضحة على ارتباط شؤون حياتنا كلها بديننا قرآناً وسنة، لأن ديننا دين حياة شامل ينظم شؤون الحياة الدنيوية، ويرسم معالم الطريق التي توصل الى رضا الله سبحانه وتعالى «دين ودنيا، دينا وأخرى، جسد وروح، عقل وقلب» هكذا يكتنف الإسلام الحياة من كلِّ جوانبها. الإعرابي استنصح النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعقل ناقته ويتوكل على الله في حفظها له، وكلُّ قائد سيارة مطالب بتحقيق هذا التوجيه النبوي في استخدامه للوسيلة الحديثة التي انعم الله بها عليه، مطالب بالتأكد من سلامة وسيلة نقله قبل أن ينطلق بها، وبعدم التهوُّر في قيادتها حينما ينطلق بها، ومطالب بمراعاة أنظمة المرور بدقة وعناية حينما يجوب بسيارته الطرقات البعيدة والقريبة، خارج المدن أو داخلها، وهو بهذا يحقّق معنى «اعقلها»، أي اعمل السبب الذي يرفع عن كاهلك مسؤولية التفريط والاهمال، وهو قبل ذلك مطالب أن يكون متوكلاً على الله سبحانه وتعالى بصدقٍ وإخلاص، فما يعتمد على الأسباب التي بذلها، وإنما يعتمد علي مسبّب الأسباب وربّ الأرباب. «اعقلها وتوكل» عنوان ناجح لحملة أمنية ناجحة بإذن الله، نشدُّ على أيدي الذين اختاروه وندعو لهم بالتوفيق. ولا بأس هنا أن نوجّه خطاباً ممزوجاً بالحب الى الجهات الأمنية، خاصة إدارة المرور-، فنقول: «اعقلها وتوكل»، الجملة النبوية الكريمة نفسها، نوجّهها الى المسؤولين عن الأمن في بلادنا، «اعقلها» تعني أن تبذلوا الجهود وراء الجهود لتوعية دائمة مستمرة للناس بأنظمة الأمن والمرور، وتوعية مستمرة لرجال الأمن جميعاً للاستمرار في التعامل الأخلاقي الرّاقي مع الناس، وتنفيذ الأنظمة بأمانةٍ وإخلاص، وبحسن معاملة ومودّة. «اعقلها» تعني أن توزّع الدوريات والفرق الأمنية توزيعاً دقيقاً على المواقع المهمة داخل المدن وخارجها، وداخل الأحياء السكنية والمجمعات، بحيث لا يغيب رجال الأمن عن هذه المواقع، فكم من تقاطع مهم كبير نرى فيه رجال المرور -مثلاً- بصورة جميلة للمتابعة والمراقبة، ثم نراه خالياً منهم فترة من الزمن حتى يظن الظانُّ أنهم لن يعودوا إليه ثانية، وهذا بلا شك لا يحقق معنى «اعقلها»، وهكذا في كل سببٍ يمكن أن يُبذل من قبل الجهات الأمنية والمرورية، مع تحقيق معنى صدق التوكل على الله في كل الحالات. «اعقلها وتوكل» جملة مضيئة في حملة مضيئة في بلدٍ مضيء. إشارة ما نحن في ظلّ الكتاب سوى يدٍ تُعطي عطاء الحبّ دون حساب كلُّ الفضائل والمكارم تلتقي