في الوقت الذي تحتضن دول الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، اللبنانيين العاملين لديها، وجلهم من رجال الأعمال والمهنيين والخبراء، وفي الوقت الذي تثمن هذه الدول عالياً كفاءة اللبنانيين المهنية ودورهم في نهضتها الاقتصادية والعمرانية، وكذلك سلوكهم في احترام الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، يستمر حزب الله باستعداء دول الخليج ومهاجمة السعودية، وذلك خدمة لمشروع إقليمي يبتعد كلياً عن مصالح اللبنانيين وتطلعاتهم، ويتنكر للعلاقات التاريخية مع دول الخليج، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. إنه لأمر مؤسف أن يصل البعض إلى هذا الدرك من تغييب المسؤولية الوطنية، ومن استمرار تغطية حالة البؤس والانهيار الاقتصادي والنقدي الذي تسببت به مواقفه وأفعاله، من خلال إصراره على إبعاد لبنان عن محيطه العربي وجعله في مواجهة دول الخليج. ومن المؤسف أيضاً، أن يعمد هذا البعض في كل مرة يقترب فيها لبنان إلى تحسين علاقاته بالسعودية ودول الخليج، إلى إطلاق تصريحات ومواقف تتماهى مع مصالح رعاته الإقليميين، وتهدف إلى تعميق الشرخ القائم والقضاء على فرص تحسين علاقات لبنان بمحيطه، وكأن المقصود باستمرار، القضاء على أي آمال باستعادة لبنان لعافيته السياسية والاقتصادية. إنه من غير المقبول أن يتنكر هذا البعض لكل مسار العلاقات الطيبة مع المملكة ودول الخليج الأخرى، التي تحتضن مئات الآلاف من اللبنانيين وتوفر لهم فرص العمل في أسواقها، الأمر الذي يمكنهم من الاستمرار في إرسال الأموال إلى ذويهم وعائلاتهم، المحاصرين بالبؤس والفقر من جراء سياسات ورهانات هذا البعض، والتي لم يحصد منها لبنان سوى الفقر والعزل عن محيطه العربي وعن المجتمع الدولي. إننا إذ نلفت انتباه من يسعى إلى تخريب علاقات لبنان بالمملكة، إلى أن التصريحات والأفعال التي يقوم بها، لا تنحصر تداعياتها فقط باللبنانيين المقيمين في دول الخليج، بل تشمل اللبنانيين في مناطق أخرى، لاسيما في الدول الأفريقية، إذ يوجد مئات الآلاف من اللبنانيين الناجحين في أعمالهم، والذين يخشون من تداعيات المواقف غير المسؤولة التي تلحق الضرر الكبير بمصالحهم وباقتصاد بلدهم، في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى أن يستعيد لبنان عافيته، لأن استمرار الوضع على حاله من شأنه أن يعيدنا إلى العصور الغابرة ويقضي على أي فرصة لإعادة النهوض. آن الأوان أن يقف هذا النهج التدميري، الذي وصل إلى حد الادعاء «بأن دول الخليج تستخدم اللبنانيين العاملين لديها كرهائن»، فيما الواقع المرير هو جعل لبنان رهينة لمشروع لم يجلب سوى البؤس والعوز والانغلاق على الذات. في الواقع، فإن الادعاء هذا، يهدف إلى حرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية التي يعيشها لبنان، والتي تتمثل بمصادرة قرار دولته وأخذه رهينة لمشروع أصبح مكشوفاً في محتواه وأبعاده، ويا ليت وكيل هذا المشروع يراجع ولو مرة واحدة، نتائج ما وصلت إليه مواقفه وأفعاله، عله يدرك، وقبل فوات الأوان، أين تقع مصالح لبنان دولة وشعباً. ويا ليته يفكر بما آلت إليه دول الخليج والسعودية من ازدهار وتطور وحداثة، وما آلت إليه نماذج المشروع الذي يشغل وكالته، هذا المشروع الذي يتوسل العنف لتحقيق غايات سياسية والفقر لوضع اليد على مستقبل الناس وطموحاتهم، في حين يستعد وكلاء هذا المشروع التدميري إلى مزيد من إفقار الناس وإرغام الشباب اللبناني على السفر بحثاً عن لقمة العيش، وتستعد المملكة في هذه المرحلة لفورة إعمارية واقتصادية جديدة، ستولد الآلاف من فرص العمل المفتوحة أمام الجميع، وخاصة اللبنانيين الذين يتطلعون إلى المشاركة في هذه الفرص والخروج من المأساة التي حلت بهم على الأصعدة المختلفة. فهل من مسؤول عاقل يفوّت على شعبه مثل هذه الفرص؟ وهل من مسؤول عاقل يستمر في مشروع لا ينتج سوى الفقر والعنف والمآسي؟ اتقوا الله فيما فعلتم وتفعلون، ودعوا شعبنا يتنفس ويعمل في الداخل ويقوم بأعماله ومصالحه في الخارج، بعيداً عن الممارسات التي لم تجلب سوى الانهيار المالي والاقتصادي. دعوا المغتربين في الخليج وغير مكان يعيشون بأمان، وينصرفون إلى أعمالهم وكسب العيش وتوفير مقومات الصمود لذويهم وعائلاتهم من المقيمين، اتركوهم بعيداً عن جهنم الموعودة واتركوهم بعيداً عن السجن الذي وضعتم لبنان فيه خدمة لمشروع، لم يجلب سوى البؤس والآلام والفقر والهجرة والتشرد. والشواهد على ذلك كثيرة في سوريا والعراق وفي اليمن، وقد أصبح لبنان «بفضلكم» في منتصف الطريق إلى هذه النماذج. ختاماً، نقول: «إن اللبنانيين في الخليج معززون ومكرمون والرهائن هم اللبنانيون الذين يعيشون في لبنان. هذه هي الحقيقة والمأساة».