انطلقت بداية الأسبوع الحالي فعاليات الفورمولا 1 بمدينة جدة، التي شهدت زخماً إعلامياً لكونها المرة الأولى التي تعقد فيها مثل هذه الفعاليات بالمملكة، إضافةً إلى ذلك فقد شهدت هذه الفعالية إقبالاً جماهيرياً كبيراً وخاصة من داخل المملكة، وقد كان من المألوف أن تقام مثل هذه الفعاليات في العديد من الدول الغربية ويتابعها الهواة عبر شاشات التلفزيون فحسب، نظراً لأن حضور مثل هذه الفعاليات يمثل عبئاً مالياً لا يستهان به يتمثل في تكاليف الانتقالات والإقامة وغيرها مما قد لا يستطيع الكثيرون تحملها، ومن الجدير بالذكر أن الإعداد لسباق الفورمولا ساعد أيضاً في اكتساب المزيد من الخبرات، كما ساهم في إضافة لبنة قوية للبنى التحتية الرياضية في المملكة مما سيؤهلها مستقبلاً لاستقبال المزيد من الفعاليات المشابهة. تنظيم فعاليات الفورمولا لم يكن هدفاً بحد ذاته، ولكن الخطط الطموحة للمملكة، التي تتمثل في رؤية 2030؛ التي تأخذ في الاعتبار الشق السياحي والترفيهي للمواطنين هي ما دفعت مسؤولي قطاعات الرياضة والسياحة والترفيه للعمل بشكل متناسق ورائع لتقديم الكثير من تلك الفعاليات، التي لم تكن مألوفة بالنسبة للمواطن من قبل، ومن المؤكد أن هذا التكامل والتناغم في تقديم مثل هذه الفعاليات سيثمر مستقبلاً عن الكثير من الإبداعات، كما سيسفر عن تبني الكثير من المواهب التي تتطلب الاهتمام وتحتاج العناية لتأخذ حقها في التميز في العديد من المجالات الترفيهية والسياحية والرياضية، كي تتبوأ في نهاية الأمر مكانتها التي تستحقها محلياً وعالمياً. لا شك أن تنظيم مثل هذه الفعاليات وغيرها سيضيف للمملكة رصيداً متميزاً في مسيرة الإصلاح التي تبناها الأمير الشاب محمد بن سلمان والتي كانت موجهة -وفق الرؤية الطموح- إلى العديد من القطاعات، والتي تتقاطع مع اهتمامات الشباب بشكل مباشر، وتتضمن توجيه الرعاية للفئات العمرية الشابة بهدف الاستثمار النافع لوقتهم وجهدهم بهدف تحقيق طموحاتهم، ولعل ما لا يدركه الكثيرون هو أن مثل هذه الفعاليات -والتي تتطلب تطوير البنى التحتية- تساهم في نفس الوقت في خلق وتوفير العديد من الفرص الوظيفية، ومن الملاحظ أن الكثير من الدول العربية والغربية تعتمد بشكل أساسي على القطاع السياحي والترفيهي لمواجهة الأعداد المتزايدة من الشباب العاطلين عن العمل خاصة في ظل قلة الموارد المالية، ولهذا بدأ الاهتمام بتنظيم الفعاليات الرياضية والترفيهية على مدار العام بدلاً من الاقتصار على تنظيمها خلال موسم الصيف فحسب. يحاول البعض من هواة تقديم النقد اللاذع للمملكة التقليل من جدوى مثل هذه الفعاليات، ولأجندات لا تخفى على الجميع، والمثير للغرابة –بل وللاشمئزاز- أن تلك الجهات الناقدة هي نفسها من كانت تتهم المملكة في وقت سابق بأنها دولة مغلقة لا هم للمواطن فيها سوى الدوران في فلك وظيفته، وبصفة شخصية لا أبالي كثيراً بمثل هذا النقد المدعوم بأجندة خاصة، والذي كان يهدف إلى تقديم صور مغلوطة غير صحيحة عن المملكة وشعبها، ويتم توظيفه لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة تنفق عليها بعض الدول المتربصة بسخاء، وربما بأكثر مما تنفقه على مواطنيها، ولكن قافلة التنمية السريعة والمواكبة للعصر في المملكة قد انطلقت بالفعل، وقد أطلق لمسيرتها العنان الأمير الشاب ولي العهد، ولعل الزخم الحضوري لجميع الفعاليات لأكبر دليل على نجاح الخطط المرسومة بدقة لملامح السياحة الداخلية والتي ستسهم بشكل كبير في الحد من السياحة الخارجية التي استنزفت جيب المواطن فيما سبق وأرهقته مالياً بسبب غياب مثل هذه الفعاليات. ألاحظ أيضاً أن النقد اللاذع من البعض ينطلق من اختلاف تفسير الكثيرين لمفهوم الترفيه، فمن لا تستهويهم رياضة الفورمولا يرون أنها ترف مبالغ فيه وهدر للجهد والمال، وكذلك من لا تستهويهم رياضة كرة القدم يرون أنها أيضاً مضيعة للوقت وهدر للمال مبالغ فيه، غير أن المسؤولين والقائمين على تنظيم قطاع الرياضة والترفيه يأخذون في الاعتبار جميع أنواع الرياضة والترفيه ولا تقتصر نظرتهم على مجال واحد بعينه، فالنظرة الأنانية من البعض ممن يرى فقط ضرورة الاهتمام بما يحبه ويستهويه لا مكان لها عند تنظيم مثل هذه الفعاليات. كما يلاحظ أن القائمين على تنظيم القطاع الرياضي والترفيهي حريصون على تنظيم تلك الفعاليات في الكثير من المدن السعودية وهو أيضاً ما ساهم في تطوير قطاع السياحة الداخلية وعلى تشجيع المواطنين على الانخراط في أنشطته وفعالياته، ومن المؤكد أن تبعات ذلك ستسهم في تنشيط الحركة التجارية في كل مدينة تقام فيها تلك المناسبات الترفيهية أو الرياضية، وهو ما سينعكس إيجاباً على تحسين الناتج المحلي الإجمالي، وعلى رفع مستوى الدخل والمعيشة لكافة المواطنين.