توجه وزير الخارجية صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رحمه الله (والوفد المرافق وكنت واحدا منهم) إلى هيوستن بتاريخ 20 سبتمبر 2005 لإلقاء كلمة في معهد جيمس بيكر بجامعة رايس. ولاحظنا جميعا ونحن في طريقنا إلى الفندق أرتال السيارات وحشود الناس الكثيفة المغادرة للمدينة، هربا من إعصار ريتا الذي وصلت سرعة رياحه إلى 285 كم في 21 سبتمبر (يوم إلقاء الكلمة). وما زاد في هلع الناس -آنذاك- أن إعصار ريتا أتى بعد 3 أسابيع من إعصار كاترينا الذي دمر الممتلكات وقضى على كثير من الأرواح في شرق وجنوب الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعلى الرغم من كل تلك الظروف، لم يتردد الأمير سعود الفيصل في الذهاب إلى معقل صناعة البترول الأمريكية لإبراز الحقائق وتفنيد الاتهامات التي كانت توجه إلى المملكة. ولتخفيف حدة الأجواء المحيطة، بدأ -رحمه الله- كلمته ممازحا المتواجدين بالقاعة، بالقول إنه لم يكن يتخيل أن يكون لحضوره هذا الوقع الهائل الذي شاهده بالأمس، حيث خرجت المدينة عن بكرة أبيها عند وصوله إليها. ثم أكد على أن الارتفاع الكبير في أسعار الوقود ومنتجات البترول ليس سببه انخفاض العرض من البترول الخام بل أمور أخرى خارج سيطرة الدول المنتجة، مثل: الضرائب المجحفة المفروضة على استهلاك المنتجات البترولية، والقيود البيئية المتعددة التي شلت الاستكشاف والإنتاج والتكرير في العالم الغربي، ومحدودية قدرات الطاقات التخزينية والمصافي، مما ترتب عليه شح المنتجات المكررة المعروضة على المستهلكين في الأسواق العالمية. كما لم يغفل التحدث عن القضايا الهامة التالية: أولا: التنويه إلى أنه أصبح شائعا في الساحة السياسية والإعلامية الغربية، وخصوصا الأمريكية، كيل الاتهامات ضد المملكة حتى أضحى إلقاء اللوم وتشويه سمعتها وأدائها هو الغاية المنشودة، بغض النظر عن كافة البيانات والحقائق المثبتة. والتنبيه إلى أن هذه الحملات الإعلامية المغرضة أصبحت تستغل لصرف انتباه الشعب الأمريكي والشعوب الغربية الأخرى عن واقع المشكلات الداخلية التي يعانونها، والتي منبعها تخبط وسوء أداء حكوماتهم. ثانيا: التأكيد على أن استمرار النزاعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط (التي تحتوي أراضيها على النسبة الكبرى من احتياطيات البترول والغاز العالمي)، وعدم بذل المجتمع الدولي جهودا صادقة لإنهائها، لن يساهم في خلق بيئة محفزة لتدفق الاستثمارات للمنطقة، وبالتالي لا يساعد على نمو واستقرار الاقتصاد العالمي. واليوم نجد أن التاريخ يعيد نفسه، فما زالت الحملات الإعلامية وخطابات الإساءة وتزييف الحقائق والتحريض ضد المملكة مستمرة من أمريكا وأعوانها بالغرب وعملائها العرب وبمساندة فارسية. فالرئيس الأمريكي بايدن، خلال قمة مجموعة العشرين في روما، ادعى أن أزمة الطاقة العالمية سببها شح المعروض من البترول وطالب الدول الرئيسة المنتجة بزيادة إنتاجها لضمان انخفاض أسعار الوقود في أمريكا والعالم. وربط ارتفاع أسعار الوقود في أمريكا بالمملكة، لانخفاض حجم البترول المعروض منها ومن دول الأوبك، كما ورد بجلسته الحوارية مع قناة (سي إن إن) في 22 أكتوبر 2021. وتأكيدا لمصداقية أن إلقاء اللوم على المملكة غايته تشويه سمعتها، نجد بايدن يناقض نفسه فيصرح أيضا أنه للتمكن من درء مشاكل التغير المناخي يجب التركيز على تجاوزات الصين وروسيا والسعودية في هذا الجانب. وبالتالي تعد السعودية في نظر إدارته مذنبة بكل الأحوال سواء خفضت كمية إنتاجها من البترول أو رفعتها! وليس مستغربا أن يتزامن ضمن الحملة الإعلامية البغيضة على المملكة ارتفاع مستوى النعيق ضدها من بعض القنوات الإعلامية المشبوهة ووسائل التواصل الاجتماعي ووزراء وأفراد عرب عملاء موالين للغرب أو التنظيمات المتطرفة. فالغرب وجميع هؤلاء الأطراف، ولو ادعوا ظاهريا بالخلاف والعداوة في ما بينهم، فإن الأحقاد تجمعهم لمساندة بعضهم بعضا في المؤامرة المستهدفة لكيان هذا الصرح العربي الإسلامي الشامخ، المملكة العربية السعودية، وشق نسيجه الوطني وعزله عن محيطه العربي والإسلامي. ولكن المستغرب أن تتاح الفرصة للحاقدين، خصوصا الغرب المعادي، لاختراق قنواتنا التلفزيونية وصحفنا في الخارج. وتمكينهم من التغلغل في مجتمعاتنا وبث أفكارهم وقيمهم والتحكم في مسارات نشاطنا الإعلامي الخارجي. وذلك من خلال زرع الكوادر الموالية لها داخل جسد الإعلام المرئي والمقروء الوطني بالخارج. وتلك الكوادر كانت وما زالت تمثل نفسا إعلاميا يخدم أجندات الأعداء، وهي إما: سعودية تشربت القيم والمبادئ الغربية وتستنكر أسلوب حياة وتفكير أبناء جلدتهم، أو عربية موالية للتنظيمات الثورية الحاقدة. ونهاية المطاف لهذا الأمر يمثلها مضمون المثل القائل «من يزرع الريح يحصد العاصفة». والحملات الإعلامية المسيئة ليست وليدة اليوم، بل عايشتها المملكة كموجات متتابعة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وحتى عهدنا المجيد في ظل حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله. ولن تتوقف مساعي الأعداء أبدا، فالمملكة تعد السد المنيع ضد تحقيق أحلامهم، فهي حصن العروبة وقبلة الإسلام. وبعون الله سوف تتكسر موجات هذه الحملات الإعلامية المغرضة كما تكسرت سابقاتها، بحكمة وتدبير القيادة الرشيدة وتلاحم كافة أفراد الشعب السعودي. ولدعم قدراتنا في مواجهتها، من المناسب: 1. أن تكون لدينا هيئة خاصة تعنى باستشراف موجات الحملات الإعلامية وتستبقها بخطط وبرامج إعلامية متميزة تمكننا من تحقيق التأثير الإعلامي المنشود. 2. الحضور الإعلامي المتواصل والمكثف للمسؤولين والدبلوماسيين والمثقفين والإعلاميين ورجال الأعمال السعوديين المتمرسين في معاقل صنع القرار الدولية لإبراز الحقائق وتفنيد الاتهامات. 3. إسناد الوظائف القيادية في مؤسساتنا الوطنية، وخصوصا الإعلامية والثقافية والتربوية والاقتصادية، لكوادر وطنية متمرسة ممن يثبت بعد التدقيق والتمحيص ولاؤهم للمملكة وإيمانهم التام بقيمها وثقافتها. فالكوادر السعودية المخلصة الغيورة قادرة تماما على النجاح لو أتيحت لها الفرص ووجدت التحفيز. 4. إجراء مراجعة شاملة وتدقيق أمنى لتقييم تاريخ وولاءات وأداء جميع العاملين في قنواتنا التلفزيونية وصحفنا الخارجية، والتخلص من الكوادر المشبوهة لضمان مصلحة الوطن. 5. المراجعة والتقييم والمحاسبة للمكاتب الاستشارية والوسطاء الذين ربما قد ساهموا في حجب وقائع أي شبهة اختراقات معادية لنشاطنا الإعلامي الخارجي عن متخذي القرار. خاتمة: من أقوال الشاعر زبن بن عمير: يهبي يالدنيا مسرعها مدري عنها وش مطمعها يا غذّاي عيال الضبعة تراها تذكر مرضعها وليا كبرت علابيها عضت رجل اللي جمّعها وش سوّت باللي زبّنها كلت ورعه يوم أشبعها ومالك لا تامنه الخاين ياخذ نعمتك ويبلعها حفظان القربة بوكاها وان انشقت من يرقعها أما جوّدها بيدينك والّا سفّطها واجدعها عدوان ابوك وجدّانك لا تامنها تمشي معها