يستحيل فهم سلوك فايروس كورونا الجديد، لإمكان التنبؤ بما سيفعله، فهو ناشط في أماكن، خاملٌ في أخرى. ومهما زاد عدد الدول التي بدأت تنفك من أَسْره، ولو قليلاً، فإن الأرقام المسجلة على مستوى العالم تؤكد أن التهافت على العودة إلى الحياة السابقة لعصر كوفيد-19 قد يكون ضرباً من الإغراق في التفاؤل، أو قفزاً على الواقع، وتخطياً للحقائق على الأرض. فقد تعدى عدد المصابين بالوباء أمس (الإثنين) 171 مليون نسمة في أرجاء العالم. وارتفع تبعاً لذلك عدد وفيات العالم بهذا المرض إلى 3.56 مليون وفاة. وبدا أمس أن الدول الأشد نكبة بالوباء تزداد معاناتها في الحقيقة، ولا تتضاءل كما تقول بعض وسائل الإعلام. فقد عبرت الولاياتالمتحدة الأولى عالمياً من حيثُ عددُ الإصابات، وعددُ الوفيات حاجز ال34 مليون إصابة، فيما قفز عدد وفياتها ليصل إلى 609544 وفاة. وعبرت الهند -على رغم انحسار الموجة الثانية التي تدهمها- حاجز ال28 مليون إصابة. وارتفع عدد موتاها بالوباء تبعاً لذلك أمس إلى 329.127 وفاة. وسجلت الهند أمس (الإثنين) 152 ألف إصابة جديدة فقط. وهو أقل عدد من الحالات الجديدة هناك منذ 50 يوماً. لكن عدد الوفيات لا يزال مفجعاً؛ إذ تم أمس قيد 3290 وفاة خلال الساعات ال24 الماضية. لكن الهند تلقت أمس أخباراً سارة. فقد أشارت توقعات بلومبيرغ إلى أن الاقتصاد الهندي في طريقه إلى النمو بنسبة 10% خلال السنة المالية التي بدأت في أول أبريل الماضي. لكنها قالت إن وثبة الاقتصاد ستتوقف على السرعة التي ستقر بها الولاياتالهندية رفع تدابير الإغلاق والقيود الوقائية الأخرى. وبالطبع فإن تلك الأخبار المتفائلة تتبعها تحذيرات من أن المستهلكين لن يقبلوا على الإنفاق بشكل تلقائي؛ إذ إن الإغلاقات المتكررة أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى أعلى مستوى لها خلال السنة الحالية. وفيما يتفاءل الهنود وهم يرون الهجمة الفايروسية الثانية تنحسر شيئاً فشيئاً؛ أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا أمس الأول، أن جنوب أفريقيا ستعود إلى الإغلاق الكامل، في مسعى يستهدف كبح تسارع تفشي وباء كوفيد-19. وقال رامافوزا، في بيان بثه التلفزيون الحكومي الليل قبل الماضي، إن الفحوص الموجبة ارتفعت خلال الأيام السبعة الماضية بنسبة 31% عن الأسبوع الذي سبقه، وبنسبة 66% عن ما كانت عليه قبل أسبوعين. مضيفا، أن العاصمة الصناعية للبلاد جوهانسبيرغ والعاصمة الإدارية بريتوريا تواجهان ما سماه «الموجة الثالثة» حالياً. وزاد: لا نعرف حتى الآن إلى أي مدى ستكون هذه الموجة قاسية، ولا إلى متى ستستمر. وموضحا أنه ستتم زيادة فترة منع التجول ساعة، من الحادية عشرة ليلاً حتى الرابعة فجراً. وذكر أنه لن يسمح بتجمع أكثر من 100 شخص داخل الأماكن المغلقة، ولا أكثر من 250 شخصاً في الأماكن المفتوحة. أما الأشخاص المسموح لهم بالمشاركة في تشييع الجنائز فلن يزيد على 100 شخص. واتهم شعب بلاده بالاستهتار في التعامل مع الجائحة. وقال إن التشديد الجديد أمر أوجبه بدء حلول فصل الشتاء، حين تتزايد احتمالات تجمع الأشخاص داخل الأماكن المغلقة، وهو ما يحمل معه مخاطر نشر التفشي الوبائي. وأشارت «أسوشيتدربس» أمس إلى أن عودة جنوب أفريقيا، وقبلها الهند، تؤكد حقيقة مهمة، وهي أن جائحة فايروس كورونا الجديد لم تنته كوباء عالمي. وتحتل جنوب أفريقيا المرتبة ال19 عالمياً من حيث عددُ الإصابات، ب1.66 مليون إصابة، نجمت عنها 56.439 وفاة. وبمعدل وفاة يصل إلى 941 شخصاً من بين كل مليون نسمة جراء الوباء. وتعادل وفيات جنوب أفريقيا بهذا المرض نحو 40% من وفيات بلدان القارة الأفريقية بكوفيد-19. وأعلن رامافوزا أن بلاده سجلت 4515 إصابة جديدة خلال الساعات ال24 الماضية. وشهدت جنوب أفريقيا هجمتين فايروسيتين؛ إحداهما منتصف العام الماضي، والأخرى -وهي الأسوأ- خلال ديسمبر ويناير الماضيين، خصوصاً بعد ظهور السلالة الجنوب الأفريقية المتحورة وراثياً. وحذر خبراء في شؤون مكافحة الأوبئة أمس من أن الموجة الثالثة التي تتزامن مع حلول الشتاء في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ستكون أسوأ كثيراً من سابقتيها. ويحدث ذلك وسط تباطؤ مثير للقلق في مساعي التطعيم باللقاحات المضادة لكوفيد-19؛ إذ لم يتم حتى الآن تطعيم أكثر من 1.5% من سكان جنوب أفريقيا البالغ عددهم 60 مليوناً. وعلى رغم أن الحكومة في بريتوريا أعلنت أن أولوية التطعيم ستكون للكوادر الصحية البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة؛ لم يحظ باللقاح أكثر من نصف مليون شخص منهم، تم تلقيحهم بمصل شركة جونسون آند جونسون، وقبل أسبوعين بدأت جنوب أفريقيا تطعيم مسنيها. بدأ عدد الإصابات الجديدة، والتنويم في المشافي، والوفيات بكوفيد-19 ينحسر إلى درجة كبيرة في معظم أرجاء «القارة العجوز»، بعدما كان الأعلى عالمياً خلال الخريف والشتاء الماضيين، ما أدى إلى مئات آلاف الوفيات في الأقطار الأوروبية، وحمل الحكومات على إغلاق الاقتصاد، وأوشك على انهيار وحدات العناية المكثفة. ومع تسارع حملات التطعيم باللقاحات المانعة للإصابة بكوفيد-19، بدأت دول أوروبية تتطلع إلى صيف يقبل فيه السياح الذين يضخون أموالاً طائلة في الاقتصاد المحلي لتلك الدول. وتمثل مداخيل السياحة نحو 13% من دخل إسبانيا وإيطاليا. وفيما بدأ السياح الأمريكيون القدوم إلى أوروبا، تتطلع الدول الأوروبية إلى بدء تدفق السياح الآسيويين خلال الأسابيع القادمة. وتم تطعيم 44% من البالغين في بلدان الاتحاد الأوروبي، بجرعة واحدة على الأقل من اللقاحات المتاحة أوروبياً، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية. وبعدما ظلت بلدان الاتحاد الأوروبي ضمن الدول العشرين الأكثر إصابات منذ منتصف أكتوبر حتى ديسمبر الماضي؛ لم تعد هناك أية دولة أوروبية ضمن تلك المجموعة المشار إليها، باستثناء جورجيا، وليتوانيا، والسويد.