تحرص المملكة على الدوام على تنويع علاقاتها شرقا وغربا، بما يحقق أهدافها ومصالحها الإستراتيجية السياسية والاستثمارية والعسكرية، وعندما تتحول بوصلة الرياض باتجاه الدول الأفريقية؛ فإن ذلك يعكس سعيها في تكريس حراكها باتجاه قارة ودول أفريقية تملك الإمكانيات والثروات والقدرات، إلا أنها في نفس الوقت تحتاج إلى دعم مالي وسياسي لكي تنتقل من الحالة الفقرية والتشتت السياسي إلى دول تتماشى مع الثورة التقنية والرقمية والاستثمارية.. وهذا ما تحدث عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته الافتراضية التي ألقاها أمس في قمة دعم اقتصاد الدول الأفريقية التي عقدت في باريس، عندما قال: «نتطلع إلى أن تتوصل القمة إلى حلول مبتكرة تساعد دول القارة على الخروج من دوامة الديون وتضمن لها القدرة على استغلال إيراداتها ومقدراتها الذاتية وتجعل ما نقدمه من استثمارات مفيدة لاقتصادها ومجتمعاتها». وليس هناك رأيان أن المملكة لعبت دورا رياديا في دعم اقتصاد الدول الأفريقية خلال فترة ترؤسها مجموعة ال20 العام الماضي، حيث كان أحد أبرز قراراتها تعليق ديون الدول الفقيرة بسبب الجائحة، إذ وفرت هذه المبادرة التاريخية سيولة عاجلة ل73 دولة من الدول الأشد فقراً من ضمنها 38 دولة أفريقية حصلت على أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي. وهذه المبادرة التي تحققت ساهمت بشكل فعال في تجاوز الدول الفقيرة لكثير من الصعوبات المالية التراكمية.. وفي نفس الإطار ساهمت المملكة من خلال الصندوق السعودي للتنمية بشكل فعال في أفريقيا منذ 4 عقود وقدمت من خلاله قروضا ومنحا تجاوز عددها 580 لأكثر من 45 دولة أفريقية بقيمة تتجاوز 50 مليار ريال سعودي، ولدى المملكة أيضا مشاريع وقروض ومنح سينفذها الصندوق في الدول النامية في أفريقيا تتجاوز قيمتها 3 مليارات ريال سعودي. وهذا ما أشار إليه سمو ولي العهد؛ عندما قال إن للمملكة دوراً ريادياً في دفع عجلة التنمية في دول القارة الأفريقية، ولدى صندوق الاستثمارات العامة في المملكة عدد من المشاريع والأنشطة في قطاعات الطاقة والتعدين والاتصالات والأغذية وغيرها بإجمالي 15 مليار ريال سعودي، أي ما يقارب 4 مليارات دولار أمريكي.. وتحرك المملكة باتجاه الدول الأفريقية لم يكن في الاتجاه الاقتصادي فقط؛ بل لعبت دورا مؤثرا في مكافحة الإرهاب، وهو ما أكده سمو ولي العهد عندما أوضح أن المملكة قدمت دعماً للجهود الدولية في محاربة الجماعات الإرهابية والتطرف في كل من دول الساحل، والصحراء، بمبلغ 100 مليون يورو، أي ما يقارب نصف مليار ريال، لجهود محاربة الإرهاب وتحسين القدرات الأمنية لتلك الدول، فضلا عن أن المملكة دعمت الجهود الدولية والإقليمية للتعاون الوثيق مع الاتحاد الأفريقي لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات والتي كان منها اتفاق جدة التاريخي للسلام بين إثيوبيا وإريتريا، إلى جانب تفعيل دورها مع شركائها في دول تجمع الساحل ساداك، وفي مقدمتها جنوب أفريقيا، في رفع قدرات قوات الأمن في موزنبيق لمجابهة الجماعات المتطرفة وترسية دعائم الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية. وكون وباء كورونا كان الهاجس الرئيسي للمملكة؛ فإنها حرصت أن يتضمن بيان دول مجموعة ال20 في القمة الاستثنائية التي عقدت في مارس 2020 تعزيز النظام الصحي في أفريقيا كونه أساساً لتكامل النظام الصحي العالمي، وتعهد القادة في هذا البيان بتعزيز بناء القدرات وتقديم المساعدات الفنية الخاصة للمجتمعات الأكثر تعرضاً وانكشافاً للمخاطر.. وأخيرا، تتطلع المملكة من منطلق مسؤوليتها كدولة مانحة إلى أن تتوصل قمة دعم دول أفريقيا إلى حلول مبتكرة تساعد دول القارة على الخروج من دوامة الديون وتضمن لهذه الدول القدرة على استغلال إيراداتها ومقدراتها الذاتية؛ كما تتطلع إلى عقد القمة السعودية الأفريقية والقمة العربية الأفريقية والتي تأجل عقدها بسبب الجائحة في أقرب فرصة. ولا شك أن اقتصاد القارة التي سجّلت العام الماضي أول ركود لها منذ نصف قرن (-2.1%)، يتوقع أن يسجل نموا من جديد بنسبة 3.4% عام 2021 ونحو 4% في العام التالي. وسمح تعليق سداد خدمة الدين العام المطبق منذ أبريل بمبادرة من نادي باريس ومجموعة ال20 ببعض الانتعاش عبر وقف تسديد 5.7 مليار دولار من الفوائد المترتبة على نحو 50 دولة. كما نجحت مجموعة ال20 في إقناع الصين، أكبر دائن في القارة، ودائنين من القطاع الخاص، بالمشاركة في إعادة التفاوض حول الديون. المملكة تنوع علاقتها مع الشرق والغرب، وولي العهد يقدم خارطة لدعم اقتصادات الدول الأفريقية.. بوصلة الرياض تتحرك نحو أفريقيا.. إنها رؤية ولي العهد.. حلول مبتكرة لتجاوز الديون وحل النزاعات.