تقرأ أحياناً في تويتر تعليقات عفوية تحمل وجهات نظر عميقة وبها من أطراف الحكمة الكثير. عندما تقرأ تلك التعليقات على قضايا تهم المجتمع وتؤثر على مستقبله، تستطيع أن تلمح الحقائق ببساطة في أكثر القضايا تخصصا وتعقيدا. عندما غرد مجلس الضمان الصحي أنه يقوم بعمل دراسة لمدى جدوى قيام شركات التأمين بتملك وإدارة الرعاية الصحية الأولية، علق عدد من المواطنين على الخبر بشكل عفوي، وأغلبهم من غير المتخصصين بعبارات شخصوا بها القضية من وجهة نظرهم. فتقرأ عبارة «تضارب المصالح»، وتقرأ عبارة «احتكار شركات التأمين»، ما هذا الوعي في المجتمع؟ وكيف توصلوا إلى هذه العبارات المتخصصة الكاشفة؟ وماذا سيكون رأي المجتمع إذا أُقر النظام؟ وذهب معلق إلى أن هذا التوجه إن أُقر سوف يؤدي إلى انخفاض شديد في مستوى الخدمات الصحية. وقال آخر ساخراً «لو تملكوا بيكونوا يمشوا المرضى كلهم ببندول أو بتكون الفحوصات كلها سليمة». كوميديا سوداء، وسبب السواد أنها أقرب للحقيقة منها للسخرية. وملخص آرائهم أن السماح لشركات التأمين بتقديم الخدمات الصحية بأنواعها وخصوصا الرعاية الأولية سيؤثر (سلباً) على جودة وكفاءة الخدمات الصحية دون شك. وأتوقع أن مجلس الضمان الصحي الذي يستخدم أحدث الأساليب العلمية في استقراء احتياجات المواطنين سينظر إلى هذه التعليقات بعين الاهتمام. وتجربة المواطن في صعوبة الحصول على موافقات حالياً خير برهان على تأثير تملك وتقديم شركات التأمين للخدمة. أو أن شركات التأمين ستميز عياداتها عن العيادات الأخرى! وسيكون ذلك مصداقاً لتعليق المواطنين عن تضارب المصالح! وإذا ما راجعنا ما تدفعه شركات التأمين حاليا لمقدمي الخدمات الصحية (خاصة الرعاية الأولية) من أسعار مؤسفة وغير إنسانية، تعلم أنه ليس هناك ربح في ذلك القطاع! فما سبب تهافت شركات التأمين إذن على الرعاية الأولية؟ ولماذا تركناهم يقدمون هذه الأسعار حتى جففوا وأفلسوا قطاعا كبيرا من المستوصفات والعيادات؟ ولماذا الصمت والسكوت على ذلك؟ وهل هناك أهداف وأغراض خفية لشركات التأمين؟ بدايةً هذه الخطوة تسمى في علم التأمين «Gate keepers»، وتعني تحكم شركات التأمين في بوابة دخول المريض للرعاية الصحية بأنواعها كافة. وبالتالي سيكون لزاماً على المرضى المرور على عياداتهم قبل مراجعة أي مقدم خدمة آخر. وسيؤدي ذلك إلى مزيد من رفض التحويل أو الوصول للخدمات من قبل المرضى، لأن من يرفض الموافقة الآن، ببساطة لن يقررها (يصفها) للمريض مستقبلاً. وسيؤدي ذلك إلى المزيد أيضاً من خفض الأسعار لمقدمي الخدمات الصحية حتى تفلس المستشفيات (كبيرها قبل صغيرها) وتشتريها شركات التأمين بثمن بخس (كما حدث في بعض دول العالم)! لا أعتقد أن رؤية 2030 تريد لذلك أن يحدث! إذا سُمح لشركات التأمين بتقديم الخدمات سيكون أكبر تحول تاريخي (سلبي في رأيي) منذ إقرار نظام التأمين الصحي. ولن يمكننا التراجع عن هذه الخطوة لأن تبعاتها ستكون شديدة التعقيد مسببةً أضرارا لا رجعة فيها ولا يمكن علاجها. وهنا تقع على عاتق الإدارة الحالية لمجلس الضمان الصحي مسؤولية تاريخية لمستقبل القطاع الصحي، القطاع المعقود عليه الأمل في نمو الاقتصاد والرقي بجودة الخدمات للمواطن. أعان الله مسؤولي مجلس الضمان الصحي على هذه الأمانة المناطة بهم للإبحار بقارب صحة المواطن إلى بر الأمان بعيدا عن شبح شركات التأمين وجشعها، وهي مسؤولية تاريخية وهم أهل لها.