بعد العشاء اضطجع المرشد خامنئي على أريكته الوثيرة متابعاً أحد التقارير الاقتصادية التي قدمها له مساعدوه، بدا وجه خامنئي عابساً بعض الشيء، تابع بضيق نتائج التقرير التي أوضحت حجم الكارثة الاقتصادية التي توشك إيران على الوقوع فيها، تحدث التقرير عن إفلاس وشيك للاحتياطي النقدي الإيراني على نحو قد لا يمكنها حتى من سداد رواتب موظفي الدولة، وقبل أن يغرق خامنئي في أفكاره السوداوية دخل أحد مساعديه قائلاً: سيدي.. حسن نصرالله بالباب يستأذن للدخول. أومأ المرشد برأسه في إشارة تدل على منحه الإذن دون أن يتحرك من مكانه، غير أن المساعد تردد قليلاً قبل أن يقول له: ولكن سيدي.. السيد نصرالله بيده ربطة مغلقة يرفض تفتيشها ولا نعلم ما بداخلها، فهل يدخل بها أم نأمره بتركها بالخارج؟ أشاح المرشد بيده بما يوحي بمعرفته بخفايا الأمر وقال لمساعده باقتضاب: دعه يدخل بها، انصرف المساعد وتعكر وجه خامنئي أكثر، فقد كانت اللقاءات التي تجمعه بحسن نصرالله مضجرة تثير تبرمه دوماً، فهو بنظره قليل الحيلة، يدمن الأعذار ولا يحسن الإدارة. دخل نصرالله مهرولاً وسارع بالقول وهو يقبل يد المرشد: سيدي.. نعيش الآن أياماً مباركة عن حق، فقد زادت الإيرادات من تجارة المخدرات التي غدونا نمارسها بمهارة كافية الآن، لا أعتقد أن لدينا مشكلة في تمويل حروبنا بعد الآن، لدينا ما يكفي لشراء الأسلحة ودفع رواتب الجنود و... لكن المرشد صرخ فيه بحدة قائلاً: هل تهزأ بي؟ كيف نجحت وقد كشف السعوديون كل ألاعيبك الغبية في تهريب المخدرات؟ تراجع نصرالله خطوة للوراء مستدركاً: سيدي ما قصدت السعوديين، هيدي السعوديون ما شاء الله عليهم واعين وفاهمينك أكثر مني، وفاهمين جيداً كل خططك، ولكني كنت أقصد تجارتنا بصورة عامة. اشتعل غضب المرشد وصرخ قائلاً: لماذا لا تعترف بفشلك؟ أنت لا تحسن أبداً تنفيذ المهام الموكلة إليك، لقد أخبرتني بأنك ستقوم بتفجير ميناء بيروت وستجمع تبرعات ضخمة، ولكنك لم تجمع سوى الخزي والعار، تمالك نصرالله نفسه ورد بصوت خافت: سيدي.. كيف تنعتني بالفاشل؟ أنا أعطيكم نصف كميات المخدرات التي أتعب في جمعها لتوزعها في إيران، ليظل الشعب غير منتبه لأفعالكم وفظائعكم، فتأمنوا انتفاضته. صمت المرشد ثم استطرد قائلاً: لقد لاحظت يا نصرالله أن اللبنانيين ليسوا على قلب رجل واحد، بينما أجد أن علاقتك متميزة بغالبية الرموز، أجاب نصرالله: تربيتك سيدي.. أنت أعطيتني نصيحة ذهبية: اضرب الكل في الكل وخليك حبيب الكل، وبهيدي الطريقة سيطرنا على لبنان، سادت لحظات صمت استعاد خلالها المرشد بعض هدوئه، ثم قال شاكياً لنصرالله: لقد أتعبني السعوديون بالفعل، أردت أن أشغلهم واستنزفهم فوجهت الحوثي ليقوم بالمهمة، وكان لي هدفان منها، أن أثبت للعالم أنهم معتدون وليسوا دعاة سلم، وأن استنزفهم حتى يفلسوا، غير أنهم أداروا الحرب ببراعة وأثبتوا للعالم أن الحوثي هو الإرهابي وليسوا هم، وفي نفس الوقت فإن اقتصادهم قوي، ولا أعرف كيف تمكنوا من هذا، ولا كيف تتمتع دفاعاتهم بهذه القوة والصلابة لدرجة أننا لم نتمكن من استهداف المدنيين ولا حتى البنية التحتية، فما العمل؟ لم يرد نصرالله وغرق في الصمت لا يدري ما الذي يمكنه قوله، فاستأنف خامنئي كلامه واستطرد بمرارة قائلاً: حتى المخدرات! السلاح الذي لا يخيب أبداً، أمرتك بإغراق بلدهم بها بوسيلة يصعب كشفها، فلم يكتفوا بكشفها فحسب بل قاموا بحظر تصدير جميع المنتجات الغذائية القادمة من بلدك، وكشفونا أمام الحكومة اللبنانية وأحرجونا معها، التقط نصرالله خيط الحوار معتقداً أنه يمكن أن يخفف من روع المرشد الغاضب فسارع بالقول: سيدى.. السعوديون لهم خبرة واسعة في محاربة المخدرات، فقد سبق لهم مكافحتها بمهارة خلال تعاملهم مع مهربي المخدرات الأفغان. قال المرشد: نعم نعم.. إن مشروع ولاية الفقيه يبيح لنا عمل كل شيء حتى.. لاحظ المرشد ابتسامة تلوح على شفاه نصرالله فسأله بحدة: لماذا تبتسم؟ أرى سمات السخرية على محياك، أجاب نصرالله، سيدي.. نحن هون لوحدنا وما حدا سامعنا، شو ولاية فقيه وشو بطيخ، إحنا دافنينه سوا، أنتم بدكم مصاري الخليج وولاية الفقيه هي مجرد بدعة من طرفكم. صمت خامنئي ولكن نصرالله اجتهد في تغيير نبرة صوته لتوحي بالثقة وخاطب المرشد مطمئناً: لا تخشى شيئاً يا سيدي.. لن أترك السعوديين أبداً، لدى خطة محكمة لإغراق أسواقهم هذه المرة بالأغذية المسرطنة، وهذه لن يتمكنوا أبداً من كشفها، وكما يقول المثل الدارج: من لم يمت بالأفيون مات بغيره، ثم ابتسم ابتسامة عريضة وقد شعر بأن الجو بدأ يتلطف، وقد انبسطت أسارير المرشد، مد يده بالربطة المغلقة وقال له: أحضرت عينة من الأفيون الجديد مشان تباركه قبل ما نوزعه، تناول المرشد العلبة وهو ينظر لنصرالله ثم قال: احذر من أن يعرف أحد ممن يعملون معي أننا نتاجر في المخدرات لنمول مشروعنا النووي، اتسعت ابتسامة نصرالله وهو يجيب: لا تقلق سيدي.. ما في داعي أخبرهم بأي شيء.. لأنهم عارفين كل شيء! بسم الله الرحمن الرحيم «وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» صدق الله العظيم.