لو قدر لعجلة الزمان أن تعود بنا إلى ما قبل جائحة «كورونا»، وطلبنا من معلم أو أكاديمي أن يخصص ساعة أسبوعية فقط في «التعليم الإلكتروني» لرفض وساق لهذا الرفض ألف مبرر، ولن يتوقف عند الرفض فقط بل سوف يتعداه إلى التشكيك والتشويه والتجاهل في بعض الأحيان لهذا النمط التعليمي المهمل حينها. ومع ظهور جائحة «كورونا» كان هذا التعليم هو تعليم الموقف أو الضرورة، ورغم الصعوبات التي واجهته في بداياته، إلا أنه نجح في إثبات كفاءته، وحملت لنا أخبار «التعليم» إبداعات المعلمين المتميزة فيه وتقبل المتعلمين الرائع له. لقد أصبح الكل الآن يتقبله وينادي به بل تعدى الأمر أن يطالب البعض بديمومته. وسبحان مقلب الأحوال فشتان بين النظرتين رغم وحدة المصدر لهما. إن التوازن في التعامل مع «التعليم الإلكتروني» في ضوء المرحلتين أمر بالغ الضرورة، فالنجاحات التي حققها «التعليم الالكتروني» في استمرارية التدفق المعرفي وأداء المنهج والضبط الإداري وإعادة التقنية إلى مسارها الطبيعي لا يمكن أن يخفي حقيقة مقابلة مضمونها: أن لهذا التعليم العديد من السلبيات التي يرتبط جزء منها بطبيعته وتأثيره من الجوانب الصحية والاجتماعية، وعدم مناسبته لبعض التخصصات التطبيقية والتقنية، والجزء الآخر كان نتيجة حتمية لتراكم إهماله على مدى عقود مضت منذ ظهوره كمستوى التأهيل للمعلم والمتعلم. كما أن هذا التعليم واجه تحديات كبرى من أهمها: ضعف البنية التحتية والاتصالات، وطبيعة تنظيمات المناهج الحالية، والجمود الفكري والرفض والنظرة السلبية والفاقد التعليمي، وصدق التقويم، ومستوى «الأمن السيبراني». إن الإفادة من المنجزات المتحققة ومعالجة السلبيات الماثلة والتقليل من التحديات القائمة يقتضي من الأنظمة التعليمية أن تنظر لهذا النمط التعليمي نظرة متوازنة، فهو ليس البديل الأكمل للتعليم الحضوري، كما أنه ليس تعليم الأزمة الذي سوف ينتهي بزوالها من جهة؛ إذ ينبغي تكوين أجندة متوازنة تتمثل في إيجاد تنظيمات وتشريعات وأساليب تكفل التكامل بين التعليم الحضوري والتعليم الإلكتروني وخصوصا الأنماط غير المتزامنة منه.