أظهر المارشال إدريس ديبي الذي قتل أمس في جبهة القتال بعد 24 ساعة من فوزه في الانتخابات التشادية للمرة السادسة، قدرة وتمرسا عاليين على المقاومة والبقاء وممارسة السلطة المطلقة، معتمداً على العديد من ركائز الحكم، أبرزها ولاء الجيش المطلق له فضلا عن عائدات النفط، إلى جانب الدعم والحماية المنقطعة النظير التي قدمتها فرنسا خلال السنوات الثلاثين المنقضية والتي أكدت أن رعايتها لإدريس ديبي هي أولوية للحكم الفرنسي، وهذا ما دفع بفرنسا دعم حليفها في القارة الأفريقية ليس فقط من المحاولات الانقلابية المتعددة التي تعرّض لها فحسب بل التدخل لصالحه لمنع وصول المتمردين إلى قصره، غاضّة الطرف عن أفعاله وممارساته وجعلت منه حليفاً أساسياً لها في أفريقيا، وفي منطقة الساحل الأفريقي على وجه الخصوص التي وفّر ديبي دعما كبيرا لفرنسا عندما أرسلت قواتها لإنقاذ مالي، من براثن التنظيمات «الداعشية» و«القاعدية» المتطرفة، بداية العام 2013. أعادت فرنسا نشر قوة في منطقة الساحل لغرض محاربة هذه التنظيمات الإرهابية، فضلا عن احتواء العمليات الإرهابية في ما يسمى «المثلث الحدودي» الصحراوي – الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو. لقد تربع ديبي على قمة السلطة طوال العقود الثلاثة، بحيث أصبح عميد الرؤساء، في أفريقيا ونجح في عسكرة السياسة في تشاد، ومنحته الجمعية الوطنية رتبة «مارشال»، وظل طوال العقود الماضية يسيطر على مقاليد الحكم بيد من حديد، بيد أنه ترك تشاد في حالة من الهلع وعدم الاستقرار، بعد مقتله في جبهات المعارك التي جاءت غداة إعلان فوزه بولاية سادسة في الانتخابات الرئاسية. وديبي كحاكم لتشاد كان له أصدقاء أقوياء وأعداء متسلطون ينتظرون اللحظة التاريخية للخلاص منه، وجاءت لحظة الحسم عندما قرر ديبي التوجه للقتال الذي اندلع بالقرب من نوكو في كانم، وهي منطقة تقع في وسط تشاد إلا أن هذه المرة كانت محاربة قوات «جبهة التغيير» المتمردة وهي منظمة سياسية عسكرية أنشأها محمد مهدي علي في تشاد، بالمرصاد الذي أصيب إصابات بالغة وتوفي بعد نقله بطائرة هليكوبتر عسكرية إلى نجامينا. إلا أن مصادر تشادية ذكرت أنه لا يعرف سبب زيارته للمنطقة التي قتل فيها، أو مشاركته في الاشتباكات الجارية مع متمردين يعارضون حكمه. وصل ديبي، قائد الجيش السابق، إلى الحكم عام 1990 عندما أطاحت قواته المتمردة بالرئيس السابق حسين حبري، الذي أدين لاحقا بانتهاكات حقوق الإنسان في محكمة دولية بالسنغال. وعلى مدار سنوات، نجا ديبي من عدة عمليات تمرد مسلحة، وتمكن من البقاء في الحكم حتى آخر تمرد قادته جماعة تطلق على نفسها «جبهة التغيير والاتفاق» المتمردة التي تدرب وتسلح أفرادها في ليبيا وهي دولة مجاورة.. مارشال تشاد.. عسكر السياسة.. وحارب الدواعش.. ودعم الفرانكوفونية حتى الرمق الأخير..