يرى المراقبون أن إدريس ديبي، 58 عاما، هو أقوى رئيس مر على تشاد وعلى حركة الإنقاذ الوطنية. وهو مثل «طائر الفينيق» الأسطوري الذي ينفض ريشه ليطير بعد كل محاولة لحرقه. فقد خرج من كل المعارك التي جرت للإطاحة به سليما معافى.. وكان أكبرها وأخطرها تلك التي وقعت في مطلع عام 2008، حيث أمطرته قوات المعارضة بوابل من النيران وحاصرت قصره في العاصمة إنجمينا ليومين كاملين، وسط أنباء بأنه جرح أو هرب. لكنه خرج بعد انتهاء الهجوم وهو يرتدي زيه العسكري الكامل. وينتمي ديبي لقبيلة الزغاوة التشادية - السودانية. «تشاد قلق دائم في إفريقيا الوسطي»... هكذا وصفها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، حيث تربط بلاده علاقة تاريخية مع هذا البلد الذي يعيش منذ 40 عاما وضعا متأزما على الدوام تساهم فرنسا على طريقتها في ديمومته، إضافة إلى بعض الدول المجاورة له. وهي دولة فقيرة موبوءة بالانقلابات العسكرية. ولا يعرف تاريخها الحديث وصول أحدهم إلى كرسي الرئاسة، إلا حاملا معه بندقية وتقف الدبابات على أبواب قصره. غير ديبي حياته السياسية فور عودته من فرنسا في 1976 وبقي مواليا للجيش قبل أن يربط مصيره بحسين حبري الذي كان يعمل للوصول إلى السلطة. وتمكن من تحقيق هدف حبري بطرد الرئيس السابق جوكوني عويدي عام 1978 الذي أطاح بنظام الرئيس تمبلباي، وهو أول حاكم وطني لتشاد تولى الحكم من المستعمر الفرنسي. واعتلى حبري حكم تشاد عام 1982. وتقديرا لدعمه، عينه حبري مستشارا خاصا. وفي أبريل 1989، ساد التوتر العلاقات بين حسين حبري وبعض معاونيه العسكريين المقربين بما في ذلك ديبي الذي غادر البلاد وهرب إلى ليبيا ثم السودان وشكل جبهة الإنقاذ الوطنية. وبدأ الهجوم ضد حسين حبري سنة 1989 عبر زحف عسكري، وفي 1990 وصلت الجبهة الوطنية الشعبية إلى سدة الحكم وأطاحت بالرئيس حبري وأجبرته على الفرار واستولت على إنجامينا وانتقل ديبي من العمل العسكري إلى العمل السياسي وعين رئيسا لمجلس الدولة. وهو سيناريو يكاد يكون متشابها للرؤساء الذين جاؤوا إلى تشاد منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي. ومنذ عدة أشهر وقوات المعارضة لا تكل من مهاجمة العاصمة. لكن ديبي ظل ينجو من كل محاولة. وتعرض جيشه ذو التسليح المتواضع، لحملات مكثفة وهزائم منكرة في عدة مناطق بإقليم أبشى على الحدود مع السودان، قتل في واحدة منها قائد جيشه. ثم توغلت قوات المعارضة وهي ذات طابع سياسي وقبلي غربا إلى أن دقت أبواب إنجمينا، لكنها لم تستطع أن تستولي على السلطة بسبب تدخل عسكري فرنسي في اللحظة الأخيرة. وعندما عدل الدستور ورشح نفسه لفترة رئاسية ثالثة، لم يوافق أغلب التشاديين على هذا الأمر ما أشعل حربا وتمردا لا نهاية له. والآن يتمتع ديبي بشعبية بين أوساط المجتمع التشادي، ويعتبر وصوله إلى الحكم فترة انتقالية إلى الديموقراطية. ومن إنجازاته استخراج البترول عام 2003 وانطلاق أول قناة فضائية عام 2009. ووصفت فترة رئاسته ب«الاستقرار الأمني والتحسن الاقتصادي الملموس». ويبدو أن المعارك الطاحنة في إنجمينا توقفت حدتها عقب اتفاق السلام بين الحكومة والمتمردين عام 2007 الذي وقعته خمس فصائل في مدينة سرت الليبية. وكان الاتفاق نص على وقف فوري لإطلاق النار، وعلى تشكيل لجنة تتولى دمج الفصائل في هياكل الدولة التشادية .