ينظر البريطانيون بشماتة وغضب إلى الأزمة التي افتعلتها دول أوروبية عدة بشأن مأمونية لقاح أسترازينيكا-أكسفورد الإنجليزي، بدعوى أنه يتسبب في حدوث جلطات دموية لدى بعض من يتطعمون به. ولم تتسبب الادعاءات الأوروبية في أي إخلال بحملات التطعيم البريطانية الماضية بقوة، بعدما فاق عدد من تم تطعيمهم حتى أمس (الأربعاء) 25 مليون نسمة. ولكي لا يبدو تناول هذه القضية وكأنه وجهة نظر بريطانية صرفة، أو كأنه رد على الادعاءات الأوروبية؛ فلنلقِ نظرة على ثلاثة مصادر أمريكية موصوفة بالرصانة: • أحد العناوين الرئيسية لصحيفة «نيويورك تايمز» الصادرة الأربعاء جاء كالتالي: التعليق الأوروبي للقاح (الإنجليزي) قد يكون مدفوعاً بالسياسة بقدر ما هو مدفوع بالعلم. • بلومبيرغ كتبت أمس: الجدل الأوروبي الأخير بشأن اللقاح يهدد بأن يتحول إلى أزمة مستفحلة. • أسوشيتدبرس: وكالة الأدوية الأوروبية «مقتنعة» بأن فوائد لقاح أسترازينيكا تفوق مخاطره. واتضح جلياً ليل الثلاثاء أن الأزمة المفتعلة عادت بنتائج عكسية على الدول الأوروبية التي أثارتها. فقد أنحت مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل باللائمة على الحكومات الأوروبية لإيجادها فوضى صحية متزايدة، بتركها ملايين الجرعات من اللقاح الإنجليزي في مستودعاتها، في حين أن ثمة إجماعاً على أن تلك الدول مهددة بموجة ثالثة وشيكة من تفشي فايروس كوفيد-19. وكانت 17 دولة أوروبية قررت وقف التطعيم باللقاح البريطاني ريثما تصدر وكالة الأدوية التابعة للاتحاد الأوروبي قراراً اليوم الخميس، بشأن ما توصلت اليه حول مأمونية لقاح أسترازينيكا. وجددت الوكالة الأوروبية للأدوية ليل الثلاثاء تصريحها القائل إنها لا ترى أي دليل على أن أسترازينيكا تسبب في حدوث خثرات دموية لمن تطعموا به. وفي المقابل، أكدت إحصاءات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني ليل الثلاثاء، أن ثلاثة أرباع من تجاوزا 80 عاماً من العُمر في بريطانيا تم تطعيمهم، وأن شخصاً من كل ثلاثة في بريطانيا جاءت نتيجة فحصه لتؤكد وجود أجسام مضادة في دمه قادرة على صد الفايروس. وقال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك ليل الثلاثاء: نحن نعرف أن لقاح أسترازينيكا ليس مأموناً فحسب، بل ينقذ الأرواح فعلياً. وكانت وكالات الأنباء تتناقل -آنذاك- تصريحات رئيس وزراء فرنسا جون كاستيكس ومدير مركز مكافحة الأوبئة الحكومي الألماني بأن موجة تفشٍّ فايروسي ثالثة توشك أن تدهم بلديهما. وقالت مفوضة الصحة في الاتحاد الأوروبي ستيلا كرياكيديس أمس إن اللقاح هو المفتاح لمواجهة الأزمة الصحية. وناشدت الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تستخدم ما لديها من لقاحات، بدلاً من تركها قابعة في المستودعات. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن قرار تعليق التطعيم باللقاح الإنجليزي كان مدفوعاً بالسياسة في ألمانياوإيطاليا، أكثر منه بالجانب العلمي المتعلق بمأمونية اللقاح. واعتبرت أن الساسة في هذين البلدين يخشون أن يعاقبهم الشارع إذا أهملوا ما يحاك ضد اللقاح البريطاني. واتخذ الوزراء الأوروبيون قراراتهم على رغم علمهم بأن حملات التطعيم في دولهم متأخرة كثيراً عن نظيرتها في بريطانيا. وقال رئيس الوكالة الطبية الإيطالية جورجيو بالو للصحيفة الأمريكية أمس إنه كانت هناك «حالة عاطفية» لاتباع الإعلان الألماني وقف التطعيم باللقاح الإنجليزي. وزاد: «ليس هناك خطر من اللقاح. ولا توجد أي تقاطعات مع جهود مكافحة الوباء». وقال مدير الوكالة الطبية الإيطالية نقولا مارجيني لصحيفة «لاربيبليكا» الصادرة الإثنين: إنه (القرار) خيار سياسي. فقد علقت إيطاليا استخدام لقاح أسترازينيكا فقط لأن دولاً أوروبية أخرى قررت القيام بذلك. وبدا أن إيطالياوفرنسا أفاقتا ليل الثلاثاء على الأبعاد الخطيرة لقراريهما. فقد صدر بيان مشترك بين الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي يؤكدان فيه أنهما على استعداد لاستئناف التطعيم بلقاح أسترازينيكا حال توصل وكالة الأدوية الأوروبية الى إعلان يؤكد مأمونيته. لا علاقة للقاح بوفاة معلم إيطالي في ضربة جديدة لادعاءات الأوروبيين ضد لقاح أسترازينيكا-أسكفورد؛ أعلن مسؤولو الطب الشرعي في إيطاليا أمس أن مدرس موسيقى إيطالي توفي بعد يوم من تطعيمه باللقاح الإنجليزي، ربما توفي جراء نوبة قلبية مفاجئة لا علاقة لها باللقاح المذكور. وذكروا أنه لم يجدوا عند تشريح جثمان ساندرو توناتي (57 عاماً) أي أثر لجلطة دموية، وأن قلبه وأعضاءه الأخرى كانت بحالة جيدة. وجاءت هذه النتيجة بعد يوم من قرار إيطاليا تعليق استخدام لقاح أسترازينيكا. كما ترافقت مع نشر بيانات تؤكد أن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بتجلط في الدم بعد التطعيم بلقاح فايزر-بيونتك الأمريكي-الألماني أكبر ممن تطعموا باللقاح الإنجليزي. وذكرت صحيفة «لاريببليكا» الإيطالية أن الطبيب الشرعي أكد في تقريره أن وفاة توناتي الأحد الماضي لا علاقة لها بالتطعيم، وأنه توفي على الأرجح بنوبة قلبية مفاجئة.