يبدو أنّ صراع الأجيال في المشهد الأدبي السعودي ما زال سيد الموقف والمزاج، فلا المبدعون السابقون يقرأون للمبدعين الحاليين، ولا المبدعون الحاليون يتذكرون المبدعين السابقين أو يذكرونهم. ومما يلفت الانتباه في هذا المشهد الغريب أنّ المجايلة أيضاً تخلق فجوة كبيرة بين مبدع وآخر في المجال ذاته. فهذا الروائي عبده خال يكتب نادماً في إحدى تغريداته، فيقول: «يعتريني الندم -الفادح- عندما أكتشف أنني لم أنهل من معين أي مبدع عاصرته، ورحل من غير أن أتزود منه بزاد لأيامي القادمة. مثلاً: لم أتزود بمجالسته، أو السؤال عنه، أو الاستفاضة من الحوادث التي مرت به، ولم يستطع كتابتها، أو أو أو..». ودعا خال أصدقاءه للتزود بمن بقى. ودعوة خال هنا وإن كانت تركز على المجالسة والسؤال وما أخفته الكتابة إلا أنّها بلغت لدى القاص محمد منصور الشقحاء إلى درجة اتهام المنتج الجديد في الروايات السعودية بأنه ثرثرة وصفية صفراء، تفتقد البناء الفني بشخصيات باهتة لا قضية لها ولا أيدلوجيا تنتمي لها. وأضاف، جربت كتابة نص روائي وفشلت؛ لأنني وجدت روحي ومشاعري في ثوب القصة القصيرة، وعندما أقول رأيي في المنتج الروائي الجديد فأنا هنا أتقمص شخصية القارئ المتذوق الباحث عن شيء يتجاوز الفراغ الذي حوله. وأكد الشقحاء أنّ روايات جديدة تصله إما عن طريق الإهداء، أو أن تلفت نظره عناوين جاذبه لأسماء جديدة، فيسارع لاقتنائها من دور نشر جديدة ودور نشر قديمة، لكنه لا يكمل قراءتها، إذ يكتفي بالصفحات العشر الأولى منها. ويعيد الشقحاء المجد إلى روايات سابقة، فيصفها بأنها كانت خارقة ومكتملة، لكنها غابت في ظل حضور روايات أخرى فاقدة للطعم واللون والنكهة. هذه الآراء دعت الكاتب والروائي المغربي هشام الشاوي إلى القول إنّ بنات الرياض، ونساء المنكر وسواها.. روايات لا تمثل المشهد ولا المجتمع السعودي وأنّ الاحتفاء بمثل هكذا روايات لم يكن سوى من باب التلصص على ما خلف الأبواب المغلقة لا غير. ثمة نصوص تستحق المتابعة، ولا ننسى أن في معظم البلدان العربية، ثمة نصوص سامقة لا يلتفت إليها النقاد، لأسباب لا أدبية! الناقد عبدالله السمطي أكد ل «عكاظ» أنّ هناك حقيقة جلية، وهي أنّ الدعاية، والتسويق والعلاقات العامة والحضور النرجسي لا تسهم في إبراز عمل أدبي نوعي، وأنّ العمل الإبداعي وحده هو من يقدم نفسه في الشعر أو القصة أو الرواية والمسرح والنقد الأدبي أو أي عمل يرتبط بمجال الإبداع. وأضاف: واستشهد بتاريخية الفعل الإبداعي العربي المعاصر التي تبرهن على أنّ كثيرين كانوا منتشرين بدعاياتهم وعلاقاتهم وبعد رحيلهم نسيتهم الساحة، وكثرين أيضا مازالوا حاضرين لأنهم مبدعون أصلاء كنجيب محفوظ أو نزار أو درويش أو حتى أمل دنقل الذي كان مهمشاً طوال حياته الشعرية. ووصف السمطي المشهد الثقافي السعودي بكثرة المبدعين الكبار، والنقاد الكبار، وأنّ الرواية السعودية أخذت مكانتها بشكل كبير بداية الألفية من بعد العام 2000م وسبقتها إرهاصات بالطبع وتجارب للقصيبي وعبده خال والدميني ورجاء عالم والحميدان وغيرهم من جيل الحميدان المؤسس للرواية السعودية فنياً، لكن بعد العام 2000 شكلت مرحلة مهمة في سياق الرواية بما ابتكرته من عوالم فنية وبما ركزت عليه من إضاءات حول المجتمع السعودي. هناك روايات فذة بالفعل وهناك روايات كتبت من أجل الحضور فقط، وتسجيل الاسم في كشوفات كتاب الرواية، ومع هذه الكثرة من الروايات لا بد من وجود نقد حقيقي وصادق لا نقد طبطبة ومجاملات وعلاقات عامة أو حتى نقد تعليمي مدرسي تحت مسمى: رسائل جامعية. وتساءل السمطي: كيف تكون ناقداً في داخل الجامعة وخارجها لا تعرف قسمات المشهد فنياً وفلسفياً وسردياً وتاريخياً ؟! وأضاف، أتصور أننا بحاجة ماسة لنقد جديد لا يتعالى على المبدعين والمبدعات ويعمل خادماً مشاغباً للنص الأدبي كي يستطيع استقطاره وإدراك مكامنه وجواهره.