يلاحظ بعض المهتمين في أوساط النقد السعودي، ظهور اهتمامات للنقاد بتجارب إبداعيّة غير ناضجة أو غير مكتملة، عوضاً عن الحديث في القضايا الأدبية العامة، أو حتى العناية بالتجارب الكبرى التي حدث أن نضجت. بالطبع هناك تجارب وأعمال تستحق أن يُكرس حولها كتاب بكامله، وربما بعض الكتب. ولا نعدم أمثلة لذكرها، فنطرح ديوان"التضاريس"للشاعر محمد الثبيتي، الذي يستحق بالفعل أن يكرس حوله أكثر من كتاب، وكذلك روايات رجاء عالم وعبده خال، وسواهما. واعتنى بعض النقاد، خصوصاً من العرب المقيمين في المملكة، بعدد من التجارب الإبداعية التي صدرت حولها كتب. لكن ما يؤخذ على هذه الكتب أنها اهتمت بأسماء لم تسهم في شكل واضح في بلورة معطى إبداعي جديد، وكان مثار تساؤلات حول قناعات أصحابها في ما يخص حداثة النص وتجاوزه للكثير من المواضيع. وبالتالي لا يمنح هذه الكتب ولا مؤلفيها الصدقية. ما يجعلنا نتطرق إلى هذه القضية، صدور كتاب عن الشاعر عطية الغامدي، وهو اسم ليس حاضراً كثيراً، ولا يعني هذا أنه مبدع كبير لم يحظ بنصيبه من الاهتمام والحضور في وجدان القارئ والناقد معاً، لكن لأن هناك تجارب تستحق فعلاً أن تفرد لها كتب، فلماذا إذاً الذهاب إلى تجربة لم تستوف شروطها، ناهيك بعدم إثارة أسئلة جديدة تهيئ لمناخ مختلف في الكتابة الإبداعية بشكل عام. وقارئ الكتاب الذي أعده الشاعر المصري عبدالله السمطي، يثير أكثر من سؤال، إما أن السمطي يستسهل الكتابة، فيصبح ليس صعباً بالنسبة إليه تأليف كتاب كامل عن تجربة من التجارب، خصوصاً إذا ما لاحظنا أن الشاعر يكتب في النقد وفي الشعر بأنواعه بما فيه العمودي، من دون أن يقدم لنا هوية معينة لما يكتبه، أو أن هناك علاقات شخصية أو دوافع ليست مطاردة الإبداع الحقيقي واحداً منها. الأمر لا يشمل فقط كتاب الغامدي، إنما يشمل أيضاً كتاب"فقه الفوضى"للشاعر حامد بن عقيل الذي أعده حول رواية ليلى الجهني اليتيمة"الفردوس اليباب". وعشرة كتب أخرى صدرت عن الشاعر عبدالله باشراحيل وغيره. والسؤال: هل هذا الذي يجري يصب في مصلحة الإبداع والنقد السعوديي؟ وما تقويم المتابع المثقف له؟ وهل يمكن اعتبار ذلك عودة إلى "نقاد الشنطة"، الذين لا يقتصرون هذه المرة على أسماء عربية، بل أيضاً سعودية. هنا مشاركات لعدد من الأدباء حول هذه الظاهرة. سعود السويداء: أدب خارج التغطية يبدو أننا من الممكن أن نجد سوابق لحالات الحماسة لكاتب أو لكتاب. سارتر تحمس لجان جينيه لدرجة تأليف كتاب ضخم عنه. لكن سارتر كان معروفاً بضعفه أمام الرغبة في إحداث الصدمة. كان لسارتر، مثلاً، تعليق مشهور، بعد قراءته لقصة لدوس باسوس الأميركي، بان الأخير"أعظم كاتب على الإطلاق"! يحدث أن يجد ناقد ما يبحث عنه تحديداً لدى كاتب ما، فيكون كمن سقط على كنز حياته. في الأدب العربي يمكن أن نتذكر حماسة إحسان عباس لعبدالوهاب البياتي وتسويقه في وقت لم يكن البياتي معروفاً خارج العراق . وفي سياق الأدب المحلي، لا استغرب حدوث هذه الظاهرة. مع أن الإشكال في الأدب المحلي هي بقاء القسم الأكبر منه خارج التغطية النقدية. في ما يتزايد التناول النقدي لأسماء محدودة. والأرجح أن هناك نزعة لضرب تراتبية متوهمة، على أية حال، لرفع الرهان الثقافي لأسماء والصعود معها وبها إلى دائرة الضوء. قاص. حسن الصلهبي: تطبيق أفكار أجنبية كل شيء لدينا أصبح يقوم على المبادرات الفردية، فمن الطبيعي أن يصبح التأليف النقدي قائماً على فردية النص والكاتب. هذه الظاهرة ليست سلبية في ذاتها ولكنها سلبية على المستويات الأسمى في غايات النقد وطموحاته الجمالية. و للأسف أنه لم يعد لدينا نقاد يهتمون بدرس الظواهر الأدبية والإبداعية في جيل ما أو توجه أدبي ما، تلك الظواهر التي تبرز التحولات الفكرية والسياسية والاجتماعية والقيمية، ومن خلالها تتضح التحولات اللغوية والجمالية المسايرة لها، لأن الأدب يفترض أنه مرآة للمجتمع والنقد مرآة للأدب، ولكن الذي يحصل أن النقاد مشغولون بأنفسهم وينطلقون من توجهاتهم الذاتية، والسبب كما أرى هو غياب الهدف الحقيقي للنقد لديهم، والسعي خلف التأليف من دون رؤية شاملة. النص الواحد بالطبع لن يكون كافياً لتطبيق منهج نقدي كامل إلا من خلال اعتسافه ليسير في الطريق الذي يريده الناقد. وهذا أيضا ينسحب على كتاب عبدالله السمطي -لم أقرأ كتابه للأسف - ولكن رأيي بحسب معرفتي بالشاعر أن سعيد عطية الغامدي يسير ضمن نسق شعري معين، وليس لديه ما يميزه فنياً أو إبداعياً حتى يكون أنموذجاً لاطروحات نقدية، والناقد في هذه الحالة يضع نفسه في دائرة تساؤلات قد تفسد عليه ما بذله من جهد في تأليف كتابه. شاعر. خالد الصامطي: التطبيل جريمة في حق القارئ إذا أمسى فعلُ النّقدِ تطبيلاً وإغراءً لقراءتهِ وزيادةِ أسهمه في المشهدِ الثقافي, أو حتّى لإرسالِ التُهم تجاه العمل وإحباطِ كاتبهِ, وخلقِ تشوّهات من العدم, فكلا الفعلين من الناقد حينها يعتبران جريمةً بحقِّ القارئ الذي تعرّض لعمليّةِ تمويهٍ وخداع أولاً, وثانياً بحقِّ الكاتبِ الذي إما أُنقصَ من جماليّةِ عملهِ أو أُفرطَ في مدحه, في الحالتين يتضررُ الكاتب, وفي الثانية يكونُ الضررُ أكبر. وكما قلتُ بدايةً, وبشكلٍ عام, أرى أنَّ فعلَ النّقد ظاهرةً إيجابيّة إن أتت بحياد من دونَ أيِّ تراكماتٍ سابقة قد تخلّ بالفعل النقدي. قاص. ابراهيم الوافي: علاقات شخصية ظاهرة كهذه وأعني بها إصدار المطبوعات الإلحاقية أو التفسيرية، أو حتى التحليلية تحت عباءة النقد والقراءة النوعية لبعض الأعمال الأدبية، لا يمكننا التعميم أو إصدار أحكام تفسيرية مطلقة تجاهها. فعلى مستوى الإصدارات اللاحقة ببعض الأعمال الروائية المحلية يبدو الأمر منطقيّا نسبياً، استنادًا الى حداثة التشكيل الروائي المحلي والكم الهائل من الإشكالات الانطباعية والاجتماعية والأيدولوجية المصاحب غالباً للإصدارات الروائية، بدءاً ب"سقف الكفاية"لمحمد حسن علوان وانتهاء ب"بنات الرياض"لرجاء الصانع. أما على مستوى القراءات النقدية المختصة بشاعر يقع في"منطقة الظل"، فلا يمكننا بالفعل كذلك إطلاق أحكام عامة ومصادرة للقيمة الفنية من العمل النقدي، ما لم نبحث في حيثيات الإصدار ومسوغاته من خلال التجربة الشعرية المنبثق منها. وذلك بما يتكشّف لنا في الإصدار من جوانب تجديدية متميزة فيه يمكننا من خلالها تفسير وجود مثل هذه الإصدارات، وإلا فالأمر لا يتجاوز علاقات شخصية من جهة أو البحث عن تميز خاص من الناقد من جهة أخرى. شاعر. عبد الواحد اليحيائي: تستحق التقدير أم لا؟ التجارب الإبداعية غير المكتملة شيء، والتجارب الإبداعية غير المعروفة شيء آخر. أرى أن على الناقد أن ينتظر كمال الإبداع غير المكتمل، حتى يطرح على جمهور المتلقين في كامل قوته كما يعتقد مبدعه إتقاناً وجمالاً، واعتقاد المبدع أنه أتقن عمله غير ملزم للناقد بالتأكيد هذا وهو ناضج ومكتمل التجربة، فكيف إن كان العكس وقد نقبل مثل هذه المؤلفات النقدية للأعمال التي يكتبها الأدباء غير الناضجين، إن كان لم تكتمل تجربته لظرف طارئ كوفاته. أما التعريف بالعمل الإبداعي غير المعروف فهو بلا شك إنجاز للناقد إن كان هذا العمل يستحق التعريف والتقدير، ولا شك أن التعريف بالإبداع غير المعروف أو ما لم يحظ بنصيب وافر من العرض والنقد هو بعض مهام الناقد القدير في دنيا الفنون، فالسؤال إذاً: هل هذه الأعمال تستحق التقدير إلى حد تأليف الكتب عنها أم لا؟ قاص.