من أينَ تبدأُ وحدةُ الشعراءِ؟ من أيِّ الجهاتِ تهبُّ؟ من أيِّ البحارِ تجيءُ؟ من أيِّ السماواتِ البعيدةِ فجأةً تأتي؟ وكالبجعِ الخرافيِّ المهاجرِ تختفي في النصِّ أو حبقِ الشتاءِ من أينَ تبدأُ وحدةُ الشعراءِ؟ من أيِّ انتهاءٍ للكلامِ عن الحرائقِ في مجازاتِ الأنوثةِ والحدائقِ ملءَ أجسادِ النساءِ؟ لا شيءَ أعرفهُ.. وُلدتُ كنجمةٍ تهوي من الرؤيا ومن سفرِ المزاميرِ الجديدِ وعشتُ أرعى العشبَ في قاعِ البحيراتِ التي انقرضتْ وفي برِّ اشتهائي لا شيءَ أكتبهُ.. ولكني أحاولُ أن أفسِّر بالندى ماءَ المرايا والصدى بالليلِ في وقتِ الظهيرةِ والقوافي بالينابيعِ الحرونِ يضيئني شيئانِ: كحلُ حبيبتي ولظى دمائي *** شاعرٌ مضاعٌ وضلِّيلٌ يحدِّقُ بي من نجمٍ في ثقبٍ أسودٍ أو زاويةٍ معتمةٍ في المرآةِ المشروخةِ ينامُ على جيتارةٍ غجريةٍ أو على جذعٍ أندلسيٍّ لا قصائدَ في قلبهِ.. ولا عطرٌ ليمونيٌّ في قميصِ امرأتهِ الشاردةْ أوَّل الحب كآخر الحبِّ يا صاحبي.. أيُّها الذئبُ.. حدسٌ غامضٌ وسهمٌ يرتدُّ سريعاً إلى كعبيَ المغمورِ حتى التنهيدةِ بالعشبِ دعني أستظلُّ بهواجسكَ الصاخبة كرغباتِ الراقصاتِ فهي تُمطر منذ الصباحِ فوقي أينما كنتُ.. بغزارة كما تمطر الآنَ في الخارجِ أهاجرُ في الزمهريرِ الليليِّ كعصفورٍ وحيدٍ ربما هو معنى اللا طمأنينة التي كتبَ عنها فرناندو بيسوا أن تمطرَ فوقكَ حتى لو كنتَ في السريرِ لا مفرَّ من الشتاءاتِ المقلوبةِ كفناجينِ البنِّ ومن العبثِ أن تستظلَّ بالكواكبِ المارقةِ *** أنا والحديقةُ توأمانِ.. تغمغمُ امرأةٌ فلا أقوى عليها من أنا لأكونَ نايكِ أو تكوني آخرَ الأوتارِ في غيتارتي؟ لمَ أنتظركِ.. لأنَّ ليلكِ غامضٌ لمَ أنتظر أحداً سواكِ ولمَ ألمِّع شهوتي بصدى خطاكِ... حلمتُ بامرأةٍ أمشِّطُ شَعرها في الفجرِ وهيَ على حريرِ الموجِ تستلقي.. ويغسلها مديحُ الشمسِ تغسلها رياحُ رسائلِ الغرباءِ وهي تهبُّ من أقصى عذاباتِ الطيورِ.. متاهتي جسدي ولي قلبٌ كأوراقِ الخريفِ *** لم تكتبني امرأةٌ بالحبرِ السريِّ الناصعِ... جاءَ بروميثيوس على هيئةِ لصٍّ أعمى في ليلِ ضفيرتها أو عينيها كي يسرقَ أوراقي من دُرجٍ مائيٍّ ومحاري من ذاكرةِ العشبِ *** في حفلةِ الحبِّ التنكريَّة أعرفُ الحبيبةَ الافتراضيَّة لكلِّ شاعرٍ والحبيبَ الافتراضيَّ لكلِّ شاعرةٍ تصلني عن طريقِ الخطأ رسائلُ عُشَّاق مكتهلينَ كأنَّ بريدي مصبُّ العناقات والقُبلِ الكاذبة تقولُ إحداهنَّ: دعني أُمشِّطُ شَعري على ضفافِ أغاني فيروز يقولُ متسكِّعٌ على أرصفةِ التكنولوجيا: جسدي ليسَ افتراضيَّا وأنا لستُ تلميذاً مخلصاً لأفلاطون في حفلةِ الحبِّ التنكريَّةِ تعانقُ امرأةٌ ظلَّها... *** الشوقُ نافذتي وبابي مطري الذي يهمي عليَّ بكلِّ أرضٍ كنتُ ناري وانصبابي في الهواءِ وفي مطالعِ كلِّ بيتٍ في الوقوفِ على طلولِ العمرِ أو سرِّ الأنوثةِ في الروابي مفتاحُ بئرِ الليلِ والفردوسِ نوَّارُ ابتساماتِ العيونِ الحورِ أو قمرُ التصابي العابرُ الشفهيُّ والمعنى الذي في التوتِ والتفَّاحِ والجسديُّ في الكلماتِ والروحيُّ في زغبِ الندى والضوءِ والقمحيُّ في امرأتينِ والبحريُّ في لغةِ الترابِ ما أشتهيهِ من استداراتِ الطبيعةِ أو نداءِ الليلكِ الحافي وراءَ الجمرِ.. ظلُّ الصوتِ في قلبي عبيرُ الهالِ طلعُ دمي وشمسُ الكاحلِ الذهبيِّ وشمُ الوردةِ الزرقاءِ فوقَ العنقِ كحلُ ضفائرٍ شقراءَ ينبضُ في شفاهي مثلَ نبضِ الضوءِ في قاعِ البحيرةِ في محارِ هواجسي وعبارتي وصدى سرابي *** الجميلةُ تلغي القصائدَ.. كلَّ القصائدِ في لحظةٍ.. وحدَها من تمدُّ الجسورَ لأقصى الكواكبِ في آخر الكونِ من تقتفي أثرَ الضوءِ في حجرٍ نائمٍ من تدلُّ شفاهي على توتها وعناقيدها ويديَّ على ما تجعَّدَ من ليلها.. ما الذي سوفَ أفعلهُ بقصائدَ ما كُتبتْ في مديحِ خطاها؟ ما الذي سوفَ تفعلهُ بانتظاري تباريحُها؟ ولمن سوفَ تتركني بعدَها؟