فاقة ينسحق حالًا، يكظم غيظًا، يتفجّر الألمُ، يجأر الصمت بين أسنانه. في الطريق، يمرّ يائسًا بسدنة القهر، يراوده حجر عن نفسه، يحمله كازًّا على كلمات صامتة، يرفع ذراعه، وبكل قوته يرسل الحجر دون تحديد، يسقط على رأس المال. تحكيم يقف أمام نهر حديدي هادر، أمام عينيه وفي تحدٍّ له، يتوالى الموجُ الملوّن دونما فرصة للعبور. رفع يده، امتشق قدمَه اليمنى ليخوضَ في القاعِ الأسود، أبطلت السرعةُ السادرةُ شجاعتَه. حوقل واستعاذ وبالقادر المدبّر لاذ، وفيما الجبَروت الحديدي لا يفتأ يرفضُ الالتفاتَ إليه. بدون يأس، أخرج مصحفًا كبيرًا بحجم A4، رفعه، توقّف مدُّ السيارات المحشوّ بالبشر سريعًا، عبر الطريق رافعًا الكتاب، اجتاز وهو يسمع الشتائم تتطاير إلى مسمعه، قبل أن يعيده إلى جيبه الواسع مزهوًّا بالنصر. حقيبة تعطلت إحدى عجلاتها، فاستقرّت مهملة على جانب الطريق، يبدو محزنًا أن تغيبَ في حاوية الحديد الصلبة. من فتحة صغيرة، تبدّى كُمّ قميصٍ أبيض، كان يلوّح بحزن للحقائب المسافرة. كفالة يعاتبني أبي بعد كل هذه السنوات، كيف لمْ أكفلْ أخي الأصغر؟ ولماذا ربطُ الأمر بمستحيل: خُروجِ أبينا من قبره؟ كان الحديث مع أخي حادًّا يوم أمس؛ في الصباح، وحالما استيقظتُ، ذهبتُ إلى وكالة السيارات، وفيما كنتُ أوقّع الأوراق، تحدّرت كلمات الموظّف من ذلك الصوتِ الذي زارني في المنام. صندوق توالت الأيدي تضع البطاقاتِ عبر فتحة في الأعلى، أوراقٌ متشابهة كطعناتٍ متتالية، كقهقهاتِ حراسٍ مدرَّبين. سمِع: - هذا مكرر! -هذا ليس شأنك! أقدامٌ تتدافع بقوة، جلبةٌ تشبه جسدًا يُسحب على الأرض. بعد ثلاثة أيام، أعلنوا أنهم عثروا في جوفه على 99% فقط. رباعية يناير 1. دليل يزفّ إلى تنّور الشتاء المعطّل خبرًا قديمًا، يرشِدُ الحطّابَ إلى هوى دُفن بلا تأبين، يقفُ على شاهدة بلا قدمين! القبر تراب مستوٍ بلا حجر. يهدي ينايرَ قفازًا صوفيًّا ومظلّةً وأغنية للمطر، وحين يغادر المكان، يتبعه قطيع من الألحان. 2. انتظار يستعين على الشتاء بوصايا الطبيب، يفتح الخزانةَ ساخرًا من معطفٍ ذابل ضاع ملمسُه بين الفصول. 3. تضحية يذهب الوحيد إلى آخر الحبّ كي ينصلحَ حالُ هذا الكوكب. 4. عرفان حين يبلغ الرحيلُ مداه؛ يضع ثمرةَ الحياة على الحافّة، يقترب منها طائر بحريّ، يجدُ قلبًا ما زال يقطر، يحمله ويطيرُ نحوَ الأقاصي.