صرح صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، باستحداث مجموعة من الأنظمة؛ منها نظام الأحوال الشخصية والإثبات والمعاملات المدنية والعقوبات التعزيرية. هذه التوجيهات الكريمة التي تحرص على التطوير التنظيمي بما يتناسب مع احتياجات المجتمع، ليست الأولى ولا الأخيرة التي نتلمس من خلالها كمواطنين حرص قيادتنا الرشيدة وبحثها ودعمها الدائم لحفظ حقوق الإنسان ورفع الكفاءة العدلية، وبالتأمل في موضوعات تلك الأنظمة نجد أنها متخصصة في تنظيم العلاقات القانونية بين الأفراد بعضهم البعض في ما يعرف بفروع القسم الخاص من الأنظمة المتعلقة بتنظيم العلاقات بين الأفراد. ومن جهة أخرى فإن تقنين العقوبات متعلق بالجانب الآخر من الأنظمة بما يعرف بالقسم العام الذي تتسم فروعه بتنظيم العلاقة بين الدولة والفرد. هذا التطوير التنظيمي الذي يلامس فروع القانون بشقيه الخاص والعام يهتم في حقيقته وجوهره بحقوق الأفراد؛ سواء في مواجهة بعضهم البعض أو في مواجهة كيان المجتمع وتنظيمه، ويعد أهم ركائز التشريع وضع قوانين مستقرة وواضحة بعيداً عن الاجتهادات الخاصة التي تخلق نوعاً من ضبابية الرؤية وتباين الأحكام. ويمكننا إيضاح ذلك باستعراض أثر ذلك التطوير التنظيمي على كل قسم منهم. فتقنين أحكام الأحوال الشخصية سيحقق للأسرة بشكل خاص ولأطراف العلاقة الزوجية بشكل عام الإحاطة بأركان عقد الزواج وشروط صحته والواجبات والالتزامات التي تترتب عليه، إضافة إلى الحد من النزاعات التي قد تنشأ داخل الأسرة نتيجة لعدم المعرفة بهذه الأحكام حال الاختلاف؛ سواء في قضايا الطلاق والفرقة بين الزوجين وما ينشأ عنها من مسائل متعلقة بحضانة الأبناء ونفقتهم وتنظيم الزيارة أو الرؤية، وأيضاً قضايا تقسيم الإرث بين الورثة وعضل الفتيات ونحوه. كما يعتبر صدور نظام خاص بالإثبات من الأهمية بمكان لأنه سوف يحدد وسائل الإثبات المعتبرة شرعاً ونظاماً أمام الجهات القضائية المختصة، والمعمول بها في الحقوق والعقود وسائر المعاملات، كما أن نظام الإثبات سوف يلامس العديد من فروع الأنظمة والقضايا؛ سواء تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية أو المعاملات ويمتد أيضاً للقضايا التجارية في مسائل الإثبات ويعزز التعامل بتلك الوسائل في كافة المعاملات، أما بالنسبة لصدور نظام للعقوبات التعزيرية سوف يترتب عليه أيضاً رعاية لحقوق الأفراد؛ حيث إن مثل هذا النظام سوف يحدد إطار مبدأ المشروعية الجنائية بشكل أكثر دقة، وذلك لما يقتضيه هذا المبدأ بأن لا يعاقب الفرد الذي ارتكب إحدى الجرائم إلا بالعقوبة المقدرة لذلك الفعل المجرم، وبالتالي فإن هذا الجاني سوف يتحقق في مواجهته علمه ودرايته بوضوح العقوبة المقررة للفعل المجرم الذي أقدم عليه. ويرى فقهاء الشريعة والقانون بأن ذلك من حقوق المتهم رغم جنايته، فضلاً على أن تحديد العقوبات يساهم في تحقيق توعية المجتمع من تلك الأفعال المجرمة والعقوبات المقدرة لها بشكل أكثر فعالية ويسر، وبما يحقق الردع والزجر عن تلك الأفعال سواء للجناة أنفسهم أو غيرهم من الإقدام على ارتكابها فتحديد الحقوق والواجبات بشكل مقنن لا لبس فيه يخلق استقراراً معرفياً وإثراء مجتمعياً على سبيل المثال قانون المرور يدرك السائق بأنه إذا تجاوزت السرعة المقررة بنسب معينة، يخضع إلى عقوبات قررها القانون، كما أن وجود تقنين لنظام العقوبات التعزيرية سوف يحد من تباين الأحكام القضائية في إطار العقوبات التعزيرية المقدرة بين حدها الأعلى والأدنى وفق معطيات وملابسات تلك القضايا. أيضاً تحديد الأفعال المجرمة وعقوباتها المقدرة من شأنه أن يساهم بفعالية أكبر في إعمال سلطة القاضي لتقدير العقوبة الملائمة للفعل المجرم، وباستقراء جميع الأنظمة المزمع إصدارها والتي تستوعب مواد تنسجم مع الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة عليها المملكة الخاصة بحقوق الإنسان، وبما لا يخالف الشرع، يتضح بشكل جلي أنها تهدف لحماية الحقوق بين الأفراد وتعزيز مبادئ وقيم حقوق الإنسان وتطوير المنظومة التنظيمية والعدلية في المملكة العربية السعودية. محامية وكاتبة bayanzahran1@