تجري العديد من السجالات حول الصحافة الورقية والمؤسسات الصحفية ودور الحكومة في إنعاشها لتنتقل من الحضارة الورقية إلى الحضارة الرقمية مع بقية مؤسسات المجتمع الحيوية والمفيدة. على النقيض من ذلك هناك من يرى أن الصحافة يجب أن تنتقل وتتحول إلى صحافة رقمية دون إقحام وزارة الإعلام والحكومة في ذلك، على اعتبار أن المؤسسات الصحفية قطاع خاص وأن السوق هو الحكم في ذلك، وهو من يقرر ويبقي على الصحيفة أو ينهيها. هناك تجارب دولية كثيرة ومتعددة بعضها آتت أكلها وبعضها انتهت وأقفلت، بعض تلك الصحف تنبهت واستجابت لهذه المتغيرات التقنية وأحدثت تغييرات وتحولات مبكراً؛ تبعاً لاستشعارها وقراءتها المبكرة لمؤثرات التقنية المتوقعة، ويمكن الاستشهاد بجريدة عكاظ في هذا المجال كنموذج من النماذج الرائدة في هذا المجال. في الحقيقة الموضوع شائك ومتداخل وهو ليس جديداً، لكن تناول هذا الموضوع بمعزل عن قراءة البُعد التنموي والبُعد التجاري والتقني والإداري، لا يعطي الصورة ما تستحق من وضوح. خاصة أن المنافسة بين الصحف لم تعد مغلقة على لاعبين محليين. هناك منطلقان اثنان لا بد من أخذهما في الاعتبار عند مناقشة هذا الموضوع وطرح العلاقة بين الحكومة والمؤسسات الصحفية ومنتجاتها: أولاً) عند طلب معونة حكومية للصحافة والمؤسسات الصحفية، لا بد من الانسجام والتناغم مع أهداف الرؤية. ففي تصوري، وهي في تصوري لا بد أن تحقق أحد ثلاثة أهداف أو كلها: 1) أهداف إعلامية من خلال تقديم محتوى محلي منافس وبكفاءة ومهنية عالية. 2) لا بد أن تكون هناك قابلية لأي مؤسسة صحفية أو إعلامية بشكل عام للاستدامة والتنمية الذاتية اعتمادا على منتجات المؤسسة على المديين المتوسط والبعيد. 3) لا بد أن تسهم هذه الأطر الإعلامية بخلق فرص استثمارية وخلق فرص عمل للمواطنين والمواطنات على المديين المنظور والبعيد. ثانيا) صحفياً، لا يمكن اختزال أزمة الصحافة السعودية بمزاحمة وتهديد الصحافة الرقمية للصحافة الورقية، ولا يمكن أن تنتهي المشكلة بتحول الصحافة السعودية إلى صحافة رقمية. أزمة الإعلام السعودي كانت دائما في المحتوى، والمحتوى لا يمكن تطويره بمجرد التحول إلى صحافة رقمية. فلا بد من صحافة مهنية وعمل صحفي مهني، وهذا يتطلب إعادة النظر بالمدرسة الإعلامية ويتطلب إعادة النظر بالمؤسسات الصحفية. لا بد من مدِّ الجسور بين أقسام الإعلام وأقسام اللغة العربية، لا يمكن الاستمرار بهذه المخرجات المشوهة من الإعلام واللغة العربية، ومن رحم هذا الدمج نخرج بتخصصات لها هوية ومهنية. أخيراً، لا بد من دراسة جدوى المؤسسسات الصحفية كحاضنة إدارية تنظيمية وقانونية للصحافة الرقمية ومدى تحقيقها النجاح المهني والاقتصادي والإداري المطلوب! فهل المؤسسات الصحفية مناسبة بوضعها الحالي؟ وهل تحقق تطلعات الصحافة الرقمية؟ ماذا لو تحولت إلى شركات؟ هل المؤسسات الصحفية الموجودة حاليا تكفي أم أن السوق بحاجة للمزيد؟ ماذا عن فكرة الدمج بين بعض المؤسسات الصحفية؟ ماذا لو أصبح في كل منطقة من مناطق المملكة مؤسسسة أو شركة إعلامية أو صحفية؟ ماذا لو تم عقد ورشة موسعة للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها؟ كاتب سعودي [email protected]