في «زقاق» جبلي بالحي التاريخي «المسفلة»، عمق البلدة المعظمة «مكة»؛ قَطَنت أسرته بمحاذاة «مركاز» الأدباء والكتَّاب «قهوة عبدالحي».. ومع أول أعوام الأربعينات الميلادية، وفي تلك الأماكن الضيقة الفسيحة بسكانها؛ استبشر «الأهل» بولادة ابنهم الأوسط، وعاش طفولته الأولى مجاوراً للحرم المكي.. ومن أجل «لقمة عيش» لصناعة أبناء عمالقة خُلُقاً وعِلماً؛ انتقلت الأسرة إلى «حارة البحر» بجدة.. وعلى الطريقة التربوية القديمة؛ أدَّبه أبوه وعلَّمه وهذَّبه وثقَّفه.. إنه البروفيسور عباس طاشكندي. عند بداياتٍ عذبة لزمن جميل؛ تلونت نشأته الأولى داخل الأحياء الجنوبية من «جدة العتيقة» في طفولة لم يلوثها شيء.. ومن حركة مقيَّدة إلا في حدود المكان؛ نشأ بين البيت و«الكتاتيب» والمسجد والمدرسة، و«دكان الخردوات» لوالده في السوق العتيقة «شارع قابل».. حكايات مُكتنزة يستدر بذاكرته إلى الخلف. وحين يعود لذكريات والدٍ فرك «القناعة» في جبينه؛ يتذكر دعاءه «اللهم لا تمنع عني ما أريد، لا تمنحني أكثر مما أريد».. وحين جعل من الحكاوي القديمة قِيمة؛ يعود إلى كتاب «المُفرَد العَلم في رسم القلم»، أهداه له أبوه لتفوقه بالصفوف الابتدائية الأولى، فتعلَّم منه اللغة والبلاغة. عندما جمع حركة «الكدح» المتناثرة داخله عقب «الثانوية»؛ بحث عن «الكَد» بوظيفة صيفية ب«أرامكو».. ولما مشى إلى أحلام الدارسة خارجياً؛ مضت مخيلته صوب بعثة «أمريكا»، فتحولت لجامعة القاهرة على غير رغبته.. وعندما وقف مبهُوراً أمام «الفلسفة»؛ نقلته أنظمة الابتعاث إلى «المكتبات». ومن المقاصد العميقة الرابضة في زوايا ثمانيني قنوع ابتُليَّ ب«السرطان» ويعمل 12 ساعة يومية؛ سار مهرولاً نصف قرن، أكاديمياً وعميداً وبروفسوراً وباحثاً.. ولما كان أول سعودي يتخرج من «المكتبات»؛ أضاءت «الوظائف» أنوارها أمامه، ولم تملأ قلبه إلا «الإذاعة» لقربها من والديه في جدة.. وحين أشمست عليه «جامعة الملك عبدالعزيز» بنورها؛ عانق شعاعها كأول موظف سعودي يرتدي قميصها.. وحين كان تائقاً لخلطة العلم في أمريكا؛ نال شهادتين في «الماجستير» والثالثة «الدكتوراه». أما عندما طارده حلم الاقتران بامرأة تنتظر قصراً من الشوق؛ لم يجد إلا ابنة المربي والمؤرخ محمد عبدالحميد مرداد، فكانت له «دواء» وكان لها «عيداً».. وحين أرادا تخفيف إرهاصات الحياة بأصوات أبناء يعيشون معهما الفرح؛ أنجبا «أسماء وخالد وعامر»، فأرشداهم وأحفادهما عبر غابات الزمن لمناطق يبتسم لها الوقت.