يقول الفيلسوف والكاتب الروماني إميل سيوران «في اليأس لا يعاني أحد من المشاكل الخارجية بل من نيرانه وتمزقاته الداخلية» يلتقي سيوران مع الآخر من خلال الفضاء الإبداعي ومن خارج الحركة الأكاديمية النسقية قاصداً من ذلك أن يحيل للمتلقي مساحة يعيش فيها تجربة استثنائية حرة، هو المثقف الذي خلق لنفسه فردانيته مع العلم على أن الحركات السياسية والأيديولوجية لا يمكن أن تخدم موقفه الأخلاقي تجاه الكتابة، سيوران اختار بدهاء الصراع مع ذاته قبل العالم الذي يعيش فيه اختار موقفه طواعية مع وعيه التام أنه بذلك أشبه ما يكون بفعل الانتحار، يحيلني سيوران لسؤال وجداني: كيف يمكن لليأس أن ينعكس على المبدع؟ عندما سألت الكاتبة الإيرلندية إدنا أوبريان صاحبة الرواية الشهيرة «الفتاة ذات العينين الخضراوين» عن سبب دراستها الصيدلة في الجامعة بدلاً من اللغة الإنجليزية؟ قالت «السبب المعتاد العائلة، عائلتي كانت معارضة جذرياً لأي علاقة مع الأدب، على الرغم من أن إيرلندا أنجبت الكثير من كبار الكتّاب، هناك تشكيك كبير حول الكتابة بمعنى آخر هم يعرفون أن الكتابة أمر خطير وأنها تحرض على الفتنة» ركزت أوبريان في أعمالها على الحديث عن المشاعر الداخلية للنساء ومشاكلهن المتعلقة بالمجتمع والرجل كما عملت في روايتها الأولى (بنات الريف) في طرق باب المشاكل الاجتماعية في إيرلندا وخاصة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، لو لم تمر أوبريان بهذا النوع من اليأس في بداية حياتها هل سنشهد هذا الزخم في النتاج الإبداعي؟ في المقابل يقول الكاتب الأمريكي ويندل بيري (الكبرياء واليأس وجهان لعملة واحدة، فكلاهما ملوم بالقدر نفسه على تخريب الإبداع). لا شكّ أن الكتابة في خضم اليأس لها نتائج صحية ونفسية إذ لا يقتصر دور الكتابة على التثقيف بل تأخذ الكلمة على عاتقها اكتشاف القضايا الوجدانية الإنسانية كما أن القدرة على إعادة تشكيل اللغة عامل مُهم لتعزيز الثقة بالنفس ثم أليست الهواجس غير القابلة للتفسير جزءاً من الحياة والألم جزءاً من الحقيقة! واذا ما سلّمنا بذلك هل يمكن اعتبارالمُبدع (السّعيد) أنه يقوم بفعل الكتابة من باب الرفاهية لا أكثر! وهل يمكن أن نعزي نتاجه غير المقروء إلى عدم مقاربته للتشظي الإنساني الذي يمر به في المقابل عدد كبير من المبدعين؟ arwa_almohanna@