الأعمال التي تقرأها تنعكس عليك من دون أن تشعر، الأعمال العميقة عادة هي ما تلفت انتباهك كونك وصلت لمرحلة أيضاً لا شعورياً لا يمكن فيها أن تتقبل أي عمل تعطيه كل حواسك لتقرأه وتعيشه جيداً، يحدث ذلك أيضاً عندما تقع تحت يديك هوامش وكتابات متفرقة، ففي وقت قريب اخترت الدخول إلى عوالم الكاتب المسرحي السوري سعدالله ونوس، وتحديداً إلى همومه الثقافية، والتي تمثلت في جوانب متعددة وبشكل محدد عن جدوى التعبير بالأشكال الثقافية ومنها المسرح، إذ تساءل «كيف أصوغ (الكلمة – الفعل) وكيف أنجز بالكتابة طموحاً مزدوجاً أو ربما متعارضاً، أم أن هذه المحاولة مستحيلة ومحكومة دوماً بالإخفاق»؟ هذا السؤال العميق يحيلنا لسؤال آخر هل يمكن للغة والكلمة أن تنتصر للإنسان؟ ثم ماذا يعني أن يصل كاتب غزير كونوس لمرحلة يشكك فيها في قوة الكلمة التي تميز بها؟ أشار الكاتب والباحث الدكتور سعد الصويان، في مقالة نشرت له عام 2009 في جريدة الاقتصادية، إلى أن «اللغة والكتابة كلتاهما خاصيتان إنسانيتان، لكن اللغة خاصية بيولوجية وجدت منذ وجد الإنسان بينما الكتابة خاصية ثقافية اكتسبها الإنسان في وقت متأخر من تاريخ وجوده على الأرض، ولا تزال بعض الجماعات تفتقر إلى الكتابة. لم يخترع الإنسان الكتابة إلا في فترة متأخرة جداً من هذا التاريخ الطويل ومنذ مدة وجيزة لا تزيد على أربعة آلاف سنة على يد السومريين»، بالرغم من أن المدة وجيزة إلا أن الزخم في النتاج لم يتوقف والأفكار لم تتوقف والنداءات لم تتوقف والتعبير بأشكاله المختلفة لم يتوقف، في المقابل ثمة مساحة رمادية تحيط بردة فعل القارئ التي عادة ما تكون غير متفاعلة مع الكاتب بالشكل الذي يتصوره خاصة بنتاجه حول قضايا الوجود الإنساني، وكما يقول الكاتب المسرحي والروائي الفرنسي ألبير كامو «الكتابة لم تعد تقتصر وظيفتها على الإيصال والتعبير، بل تفرض ما وراء اللغة». كم كاتب ومفكر عاش لحظة الاغتراب ما بينه وبين القارئ كما عاشها تحديداً سعدالله ونوس، كم كاتب ينتظر ردة فعل القارئ تجاه ما يكتب ولم يقتصر اهتمامه على الظهور الإعلامي والعائدات المالية والدخول في موضة «كاتب، مؤلف، مفكر، فيلسوف» ولصقها في «بايو» تويتر في وسائل التواصل الاجتماعي، يؤسفني تسابق (الكُتّاب) لتقديم أنفسهم بتصنيفات واهمة وحماسية، الإشكالات المركبة التي يدخل فيها الكاتب الحقيقي أعمق من هذه المُباشرة في الطرح والنشر و(الوصف). arwa_almohanna@