مع الهزات الكبيرة عقب زلزال «كورونا» على المعمورة، لم ينجُ من تبعات جائحة «كوفيد-19» أحد، فبين الخسائر البشرية التي تجاوزت حتى إعداد هذا التقرير حاجز 1.67 مليون وفاة، والنزيف الاقتصادي الحاد في دول العالم، نال الصحافة والصحفيون الكثير من تلك الأزمات، بيد أن «المعاناة» أكدت حقيقة راسخة مفادها أن «الصحافة ضرورة». ورغم الارتباك المعلوماتي المصاحب لبدايات الجائحة وحتى وقت ترتيل المتفائلين «أناشيد النصر» على «العاصفة الجائحة»، إلا أن الصحفيين من حول العالم نجحوا في متابعة الأحداث، وكان العمل الرصين والجاد يزداد موثوقية عند الناس، ما أعاد للصحافة هيبتها في فضاء المعلومات المنفلتة، وكما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة يوماً بأن «الصحفيين يقدمون الترياق لجائحة التضليل المحيطة بكوفيد-19». وفي السعودية، حيث تعاني الصحافة ككثير من دول العالم من أزمات اقتصادية خانقة تنهش في جسدها المتعب، نقل الصحفيون السعوديون تطورات الجائحة في بلادهم، وعكسوا القصة من ميادين الخطر، فالقصة كانت على قارعة الطريق، وكان لزاماً على المهنيين التقاطها. غطى الصحفيون الكثير والكثير من القصص الإنسانية في مختلف وسائل الإعلام، ودفع بعضهم ثمناً باهظا تطلبه المهنة في كثير من المنعطفات المصيرية، عانى زملاء منه لفترة طويلة، بينما نجا الكثير من ويلاته لصرامة الاحترازات الوقائية التي فرضتها الجهات المختصة. ومن أبواب مستشفيات الطوارئ، ومراكز الأبحاث ومكاتب الخبراء، إلى الرصيف والشوارع الخالية، والأسواق، والمؤتمرات الصحفية، والمقابر، كان الصحفيون يحملون أعباء المسؤولية؛ فكتابة القصة تستحق الكثير والكثير من المجازفة. ويبدو أن مقولة «من رحم المعاناة تولد المعجزات» تنطبق على حالة الصحافة، حيث عادت بأشكالها المختلفة للتربع على عرش «أكثر المصادر موثوقية حول العالم». وفي المملكة، نجح المشهد الإعلامي في «تنقية نفسه بنفسه»، فالأدعياء وجدوا أنفسهم خارج المشهد، بل في أحيان كثيرة كان بعضهم مصدراً لخرق القانون وتشويش الرسالة الإعلامية الحاثة على اتباع التعليمات الصحية بالاحترازات الوقائية. ورغم حذر ما يمكن وصفه ب«النهايات لفصل الكارثة»، إلا أن العمل الصحفي لا يلتقط أنفاسه أبداً، فالوقت كما يقول الإنجليز «لا ينتظر»، بيد أن زوايا العمل الصحفي تحتم على الممارسين حول العالم تذكر زملائهم من كافة القطاعات (أطباء، رجال أمن، عمال، صحفيين... إلخ) الذين كانوا «تحت خط النار» بكثير من الاعتزاز والإجلال. ورغم أن الصعوبات كانت ولا تزال كبيرة أمام الصحافة في العالم ولا يزال البحث عن الكمال المهني والفني مضنيا، إلا أنها ضرورة ملحة للمجتمعات. مواد صحفية صنعتها «كورونا».. آخرها «قصتي» نجلاء رشاد (جدة) NajlaaRshad@ أيام معدودات.. وصفحات عام 2020 أوشكت أن تطوى بعد أن دونت بين سطورها ذكريات تشاطرت فيها العذوبة والشراسة، كصفحات الأعوام السالفة، إلا أن صفحات هذا العام تميزت كرقمه بأحداثه الواقعة على العالم أجمع دون استثناء. «كورونا» المفردة التي اجتاحت سطور صفحات عام 2020، من المقدمة وحتى الخاتمة، فكتبت العديد من المواد الصحفية عبر صحيفتي «عكاظ» عن هذا الوباء من زواياه المختلفة، بدءًا من كونه «السائح الممقوت يسافر في كل الدنيا»، وكيف أعاد علينا «زمن الطيبين» و«الزمن الجميل»، وبأمره أصبح جميع الطلاب «ناجحين»، وحياة «الموسوسين» في زمنه، وحكمه على العشاق ب«خلك بعيد حبك يزيد»، وشكوك الأحفاد من محبة أجدادهم لهم بعد غياب القبلات والأحضان. لم أكن أعلم أن فايروس «كورونا» طمع في المزيد من كتاباتي الصحفية عنه حتى زارني وقال لي: «ها أنذا»، لأدون على صفحات صحيفتي قصتي معه «بين واقع مرير وتجربة في سجل الذكريات»، فكتبت عن تجربتي العابرة معه المليئة بالخوف والألم، بعد رحيله عني، وكيف سرق مني لحظات ملؤها السعادة تقاسمتها مع أفراد أسرتي. استغرقت كتابة تجربتي مع الفايروس أسبوعا كاملا ليس لعجزي عن الكتابة أو البحث عن مصطلحات تعبر عما شعرت به، بل لأن وصف التجربة أعاد اللحظات المريرة التي مررت بها، التي حاولت منعي من إتمام المادة التي قصدت من خلالها نقل تجربتي للمجتمع بحلوها ومرها. بعد أن نشرت تجربتي مع «كورونا» عبر صفحات صحيفتي «عكاظ»، أصبحت أقرأها بين الحين والآخر وأستعيد تلك اللحظات التي أستعيذ منها، وابتسامة التعجب على وجهي لأنه لم يخطر يوما أن تكون لي مع «كورونا» قصة تروى. تجربة محفوفة بالمخاطر عبدالكريم الذيابي (الطائف) r777aa@ حرصت صحيفة «عكاظ» على التأكيد علينا كصحفيين في الميدان بالالتزام التام بالاحترازات الوقائية من فايروس كورونا، منذ حصولنا على تصاريح التنقل الميداني في بداية الحجر المنزلي، لرصد الجهود الحكومية، سواء الأمنية منها أو الصحية في الميدان، ورصد التزام السكان بالحجر مروراً بتخفيف القيود حتى رفعها وما واكبها من عودة للأنشطة المتعددة، وكانت التجربة رغم أنها محفوفة بالمخاطر إلا أنها كانت مثرية بكل أبعادها وغيّرت كثيرا من المفاهيم السائدة في الاتصال والإعلام ودوره في مثل هذه المخاطر، واستفدت منها في كيفية التكيّف في مثل هذه الأزمات الطارئة وكتابة القصص الصحفية والفيديوهات والصور الميدانية للجهود ويوميات الناس، وظللت محتاطاً من الفايروس طيلة الأشهر الماضية، لكني أصبت بالفايروس قبل 35 يوماً، وتجاوزته بسلام بعد تنويمي 9 أيام في المستشفى، والآن أعاود الركض الصحفي متقيّداً بكل الاحتياطات. تجربة العمل ب«قوانين جديدة» إبراهيم علوي (جدة) i_waleeed22@ تجربة العمل الميداني ليست جديدة، ولكنها حملت قوانين جديدة؛ فلا تلامس ولا تقارب، والتزام بالكمامة وسط أجواء حارة وخانقة، وتجول بين إدارة وأخرى في الميدان، فكانت القطاعات الأمنية الحاضر الأكبر في فترة منع التجول لضبط إيقاع التحركات من المخالفين والحفاظ على الأمن وتنفيذ الأنظمة والإجراءات الاحترازية والتدابير «البروتوكولات» الوقائية للقطاعات للحد من انتشار فايروس كورونا الجديد. قطاع الأمانة والبلديات كان له نصيب من العمل الميداني لمتابعة مقار سكن العمالة ومباشرة عمليات الرش والنظافة، فحضرت «عكاظ» ورصدت عمليات التفتيش للمحلات التجارية وداخل الأحياء. صعوبة العمل الميداني في زمن كورونا كانت تنعكس على العاملين في الميدان داخل منازلهم، فكنت أصاب بالفايروس «ظناً» كل يوم بمجرد اقترابي من منزلي وأسرتي فأطلب منهم الابتعاد وأقوم بغسل ملابسي بنفسي وأتحاشى الاجتماع معهم، ولا تذهب «إصابتي الظنية» إلا بعد إجراء مسحة طبية لتأتي التأكيدات: «لم تثبت إصابتك بكورونا»، فكانت الإصابة في مخيلتي ووفق ما أعيشه ميدانيا، لذا انعزلت عن أسرتي وابتعدت عن والديّ وهجرت ديوانيتي المفضلة مع إخواني وأبناء العمومة حتى لا أكون سببا في إصابة أحد، فهم معزولون فيما أنا أتجول لأداء مهماتي الصحفية. أجمل التغطيات الصحفية التي سعدت بها كانت العودة التدريجية للمساجد وفق برتوكولات وإجراءات وقائية، فرصدت عمليات التعقيم والتجهيز، وقضيت ساعات طوالا معهم فرحا ببدء عودة الحياة. تجربة عمل ميدانية قاسية كسبنا فيها معارف كثيرة، وكانت تحديا جديدا يضاف لتجارب العمل الصحفي. القرار الأصعب.. على بعد خطوة من «كوفيد» حسين هزازي (جدة) h_hzazi@ اتخاذ قرار العمل ميدانيا في أزمة «كورونا» من أصعب المواقف التي واجهتني خلال مهنتي الصحفية، وتكمن الصعوبة في الخوف من تعريض نفسي وعائلتي للإصابة بفايروس قاتل لا يرحم كبيرا أو صغيرا. وبالفعل بدأت معركتي الخاصة كوني أحد الصحفيين المتخصصين في الشأن الصحي ويجب عليّ أن أعرف كل ما يدور داخل المستشفيات وخارجها عن هذا الفايروس، وأكون على اطلاع دائم ومستمر، بل ومتواجدا معهم. لذلك اضطررت أن أكون في صف الكوادر الصحية أثناء المواجهة، وأكون قريبا جدا من المصابين، وأعمل بجانبهم بحذر وخوف وأقترب قدر المستطاع، وكنت أتوقع أن هذا أقصى ما في الأمر. وفجأة انتشر الوباء بشكل خطير وسريع وارتفع عدد الوفيات وامتلأت غرف العناية المركزة بالمصابين من الفايروس وسجلت بعض الأحياء (مثل غليل والبلد والقريات) بأنها موبوءة ويجب عزلها وعدم الدخول إليها، من هنا تضاعف الخطر وتوجب علي التوغل داخل تلك الأحياء ونقل أخبارهم وتوعيتهم جنبا إلى جنب مع الفرق الصحية، وبالفعل كانت التجربة خطرة؛ لأن الإصابات بالعشرات وأصبح الخطر وشيكا جدا. زاد خوفي على عائلتي ومن عواقب هذا التهور ولكن مهنتي الصحفية وإحساسي بالمسؤولية أكبر من ذلك، وتطور الموقف، إذ ارتفعت أعداد الوفيات بشكل ملحوظ ويجب على العاقل أن يحذر ويتنبه. ولكن كل ذلك لم يمنعني من دخول «أخطر موقع لفايروس كورونا» وهو المختبر الإقليمي الذي يضم عينات كل المصابين في المنطقة الغربية، ولا أخفيكم كانت من أرعب وأصعب المواقف التي واجهتني خلال فترة الأزمة حيث كان الدخول إلى هناك «من سابع المستحيلات» ولكني لم أتوقف! بالفعل دخلت وتعمقت وعشت أرعب الأفلام الهوليودية لساعات داخل المختبر، وكانت خطيرة جدا، ولا أخفيكم ما زالت ذكراها في أعماقي لا تفارقني حتى الآن ولو عادت الأيام مرة أخرى لن أتجرأ على المغامرة. وحيداً على الطرقات عبدالعزيز الربيعي (مكةالمكرمة) florist600@ سنوات طويلة قضيتها في بلاط صاحبة الجلالة، متنقلا بين مناطق المملكة ألتقي بكافة شرائح المجتمع في جميع الأوقات، لكن في الفترة التي عشتها بعد تفشي فايروس كورونا في مكةالمكرمة لينتشر لجميع مناطق ومحافظات ومراكز وهجر المملكة، شعرت بالغربة بعد أن أغلقت الأسواق والمحلات التجارية أبوابها وتوقفت الحركة المرورية التي كانت تعج بها الشوارع. مشهد موحش عايشت كافة تفاصيله متتقلا بين أحياء العاصمة المقدسة الشعبية ابتداء بحي النكاسة، مرورا بجرول، جبل النور، وكدي، وغيرها من الأحياء. كنت أسير وحيدا في تلك الشوارع إلا من رجال الأمن والصحة الذين كانوا يتنقلون بين الأحياء السكنية لإيقاف ذلك الوباء، غير مبالين بصحتهم من أجل المواطنين والمقيمين. لكن المشهد أصبح أكثر حزنا في شهر رمضان المبارك عندما تغير المشهد وأصبحت الشوارع المؤدية للحرم المكي الشريف خالية من المواطنين والمقيمين، حتى من تلك الأصوات التي تنادي«فطورك يا صايم.. فطورك يا صايم» بعد أن كانت مزدحمة. كان الخوف يلازمني في تنقلاتي بين الأحياء والمستشفيات عندما أعود لأسرتي في الطائف، ويقابلني ابني التوحدي «مقرن»، ورغم اشتياقي لمداعبته واحتضانه كنت أطلب منهم عدم الاقتراب مني خوفا عليهم، واعتزلت الجلوس معهم. ولكن الموقف الذي هزني عندما قمت بزيارة والدي في المنزل واستقبلني بابتسامة ليعانقني لكنني طلبت منه أن يتوقف خوف أن أكون أنا السبب في انتقال العدوى إليه وصحته لا تحتمل المرض. حياة في «العزل» لأكثر من شهر عدنان شبراوي (جدة) Adnanshabrawi@ في يوم عمل عانيت من حرارة، أظهرت مسحة «كورونا» التي أجريتها إصابتي بالفايروس، كان ذلك بمثابة الصدمة لي، ولأكثر من شهر عشت بين غرفة العزل بالمنزل وغرفة العزل في أحد المستشفيات، ظلت الذاكرة مشغولة بمهنة لا تعرف الظروف والمرض. كثير من المشاهد التي عشتها بداية برحلة المسحة مرورا بالوصفات الطبية التي كانت تصلني من فتاوى «الواتساب»، وليس انتهاء باللهث لإشباع الغريزة المهنية، كان هناك التحدي الأقوى للذات، فكما كانت الأدوية تلازمني، كان العمل الصحفي لا ينفك عن الفكر رغم ابتعادي المؤلم خلال شدة المرض عن أخبار الصفحة الأولى لأكثر من أسبوعين في ذروة المرض، وذروة الحب الذي أحاطني به الزملاء من كل صوب، ومخاوف وقلق لا أنكره، وفي ذاكرتي زملاء غادروا الحياة بسبب هذا الفايروس. ومنذ بدء رحلة التشافي قررت الحضور الصحفي «عن بعد» في غرفة العزل بالمنزل، وعكفت على التواصل مع المصادر والاطلاع على الصكوك وأحكام من أروقة القضاء في انطلاقة صحفية استعدت من خلالها المزيد من الصحة والعافية، بدعم كبير من رئيس التحرير والزملاء في «عكاظ» الذين كانوا على تواصل مستمر للسؤال عن صحتي وحالي مع كورونا.. ثم السؤال: ماذا لديك للغد؟