لم تكن مواجهة فايروس بقوة وغموض كورونا مهمة سهلة، إذ إنه من السهل التعامل مع عدو ظاهر أكثر عشرات المرات من التعامل مع عدو خفي لا تعرف كل تفاصيله ولا معالمه ولا مكامن ضعفه، الأمر الذي يعد أشبه بالعمل في حقل ألغام ومتفجرات لا تعرف أين موقعها ولا تمتلك سلاحا لتدميرها، ومع ذلك يطلب منك أن تحمي الآخرين ممن تتولى مهمتهم. في واجهة التعامل مع كورونا هناك العشرات من الجنود المجهولين الذين يخوضون غمار الحرب على كورونا، يتصدرون المشهد في المطارات والمنافذ وواجهة الطوارئ في المستشفيات والمستوصفات ويعملون ليل نهار بلا كلل أو ملل أو خوف، همهم الأول حماية المجتمع وسلامة الآخرين. «عكاظ» سلطت الضوء على هؤلاء الجنود في كافة القطاعات الحكومية والمختصة من أمن عام وجوازات وجهات مختصة في الصحة والمطار والخطوط السعودية والهلال الأحمر والمستشفيات، وجهاز إشرافي عالي المستوى للتنسيق والمراقبة واتخاذ القرارات الفورية. صحيح أن سلاح هؤلاء الظاهر هي الكمامات، وقليل من أدوات التعقيم والتطهير، لكن الأصح أن سلاحهم هو إرادة ومسؤولية وإيمان بما يقومون به ويدافعون عنه ويبذلون الغالي والنفيس من أجله. 500 كادر في المواجهة تقف وزارة الصحة في واجهة الحدث في المطارات والمنافذ والمستشفيات والمستوصفات، إذ يعمل فريق مختص من مراكز المراقبة الصحية بالمطار بالشخوص على الرحلة فور وصولها للقيام بعملية أخذ الإقرار الصحي من طاقم الطائرة، والتأكد من عدم وجود حالات مشتبه بها من خلال فحص جميع الركاب، وهناك فريق طبي آخر داخل صالة القدوم الدولي يتولى مناظرة جميع القادمين فور دخولهم الصالة. أما الرحلات غير المباشرة فيتم التنسيق مع الجهات المعنية بالمطار للإبلاغ عن أي مسافر قادم من دولة مصابة، ويقوم الفريق الوقائي بالاطمئنان عن صحته قبل إنهاء إجراءات الدخول. ويتولى الإجراءات طاقم إداري وفني يزيد على 500 موظف وموظفة في جميع الصالات الدولية، فيما تقوم مراكز المراقبة الصحية بتقديم الخدمات العلاجية والوقائية على مدار الساعة، وفي حال اشتباه على الطائرة يتم تفعيل خطة الطوارئ للتعامل مع الحالات المعدية بالتعاون مع الجهات الأمنية ويتم نقل المسافر مباشرة من الطائرة إلى أقرب مستشفى. وفي حال الاشتباه في حالة داخل الصالات يتم تفعيل المسار الآمن لمنع الاختلاط مع بقية المسافرين والعاملين بالمطار، ولضمان حماية الفريق الطبي من الإصابة بالعدوى تم تدريب الفريق على استخدام أدوات الحماية الشخصية (PPE) وفق معايير مكافحة العدوى. مسعفون أمام الخطر يتعامل مسعفو الهلال الأحمر مع المرض بشكل مباشر جداً، إذ يتلقون البلاغات عن الإصابات ويباشرون الحالات وهم يعلمون أنها إصابات مؤكدة، ويخاطرون بأرواحهم في ظل إسعاف المصاب أو نقله إلى غرف العزل في المستشفيات الحكومية. ومع حرج الموقف وخطورة الوضع، تجد منسوبي الهلال الأحمر يعملون بكل ثقة ومتبعين ضوابط مكافحة العدوى والسلامة ليستحقوا وصف الأبطال في ظل تعاملهم مع حالات مؤكدة ومطلوب منهم التسلح بقواعد وضوابط العمل، وبفضل من الله لم تسجل أي حالة عدوى بين منسوبيها حتى الآن. حماية الطائرات نسقت الخطوط الجوية العربية السعودية مع مصادر خارجية في الكشف عن أعراض الحمى أو أي علامات مرضية ظاهرة على المسافرين قبل ركوب رحلاتها، في جميع المحطات المدرجة على قائمة الخطر للإصابة بفايروس كورونا، ولن يتم السماح بالحالات المشتبه بها بصعود الطائرة، ووفرت أقنعة طبية لحماية موظفيها وطواقم طائراتها وركابها، في جميع المحطات المدرجة التي يوجد فيها خطر من الفايروس. كما تتولى «الخطوط السعودية» عملية إزالة جميع الطائرات التي تصل من المحطات التي يوجد بها خطر من الإصابة بفايروس كورونا من الخدمة فور وصولها للتطهير والتنظيف الخاص، بالإضافة إلى تدريب طاقم (الخطوط) على كيفية التعامل مع الحالات المشتبه فيها بفايروس كورونا (COVID-19) أثناء الرحلة وذلك باستخدام أدوات إزالة التلوث وإجراءات العزل وتقديم التقارير إلى وزارة الصحة السعودية للحصول على المساعدة فور وصول الطائرة، كما يجري تعديل إجراءات الخدمات على متن الطائرة بما في ذلك استخدام القفازات والأقنعة من قبل طاقم المقصورة في خط الرحلة التي يوجد بها خطر من فايروس كورونا، كذلك ستقوم الخطوط السعودية بتقديم أقنعة طبية، وأطقم تطهير، ومناديل مضادة للبكتيريا للركاب وأطقم الطائرة على متن رحلاتها. دور الجوازات تؤدي المديرية العامة للجوازات في السعودية دوراً مهماً مع جميع المسافرين القادمين إلى المملكة عبر كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ما يتطلب من المسافرين الإفصاح أمام موظفي الجوازات عن تواجدهم في أي دولة مصابة خلال 15 يوماً قبل وصولهم. وتأتي هذه الخطوة ضمن الإجراءات الصحية المعتمدة للوقاية من فايروس كورونا الجديد، وأنها ملزمة لجميع القادمين إلى السعودية. إذ يفحص موظفو الجوازات جوازات المسافرين مباشرة بعد خروجهم من الفرز الصحي من قبل الوزارة، ويتعاملون مع المسافرين بشكل مباشر وفقاً لآلية تضمن سلامتهم. تدابير الطيران المدني اتخذت الهيئة العامة للطيران المدني العديد من الإجراءات الوقائية من فايروس كورونا المستجد (كوفيد -19) في المنافذ الجوية، منها تخصيص فريق طبي في منافذ الوصول بمطارات المملكة لفحص كافة الركاب القادمين (عبر الرحلات المباشرة وغير المباشرة) من المناطق والدول المنتشر بها فايروس كورونا، كما نفذت الاحترازات الصحية مع الحالات المشتبه بإصابتها بالفايروس، والتعقيم والتطهير المتواصل لجميع المرافق والأدوات وكذلك الطائرات، إضافة إلى التوعية الصحية للمسافرين. وأصدرت عدة تعاميم لجميع الناقلين الجويين المشغلين بالمملكة لتطبيق الإجراءات الوقائية الملزمة على الناقلات الجوية القادمة إلى المملكة من الدول التي يشكل فيها فايروس كورونا الجديد COVID-19 خطراً. وتقوم الهيئة بالتأكد من توافر الاشتراطات المطلوبة والتي تتمثل في الإجراءات والتجهيزات التي تشمل وسائل الحماية الشخصية، والعاملين المدربين على تقييم حالات الاشتباه والتعامل معها، سواء كان الاشتباه في صالات السفر أو على وسائل النقل، والإجراءات والوسائل المطلوبة لتبادل المعلومات بين مشغلي وسائل النقل ومراكز المراقبة الصحية بالمنافذ وبرنامج اللوائح الصحية الدولية بوزارة الصحة، وذلك في ما يتعلق بحالات الاشتباه بين المسافرين، إضافة إلى التنسيق القائم لنقل الحالات المشتبهة إلى المنشآت الصحية الملائمة للتقييم والتشخيص وتقديم العلاج بالمنافذ التي يمكن من خلالها التعامل مع الحالات التي يشتبه إصابتها بفايروس كورونا الجديد. «سليمان».. ينتزع الشهرة من أنف كورونا يبرز من بين أكثر من 600 موظف وموظفة من منسوبي صحة جدة يعملون في منفذ مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، مشرف التمريض في الصالة الجنوبية سليمان المطيري الذي يعد الأكثر شهرة بين زملائه بحكم دوره المهم في التعامل مع المشتبه بهم بالإصابة بفايروس كورونا. «سليمان» يؤدي وظيفة الإشراف على كامل التمريض في المركز ولكن لم يكن هذا سبب شهرته بين زملائه، بل لأنه يقوم بمهمة صعبة ضمن مهمات عمله يخاف منها الكثير من زملائه في العمل. ويشرف «المطيري» على تطهير وتعقيم الأماكن التي خرج منها المشتبه بالإصابة بافيروس كورونا مباشرة، ويعمل على التأكد من تعقيمها قبل أن يستفيد منها مريض آخر، وهي عملية ليست من السهله بين الممرضين والممرضات، لكنه يقوم بها بكل تفانٍ ودون تذمر أو خوف؛ لذلك سُجّل بطلاً بين زملائه، وخلقت أزمة «كورونا» منه شخصاً مميزاً. يصفه زملاؤه في العمل ب «الإنسان المكافح» والعملي؛ بسبب دقته بالعمل ومساعدة المرضى والزملاء. «المطيري» النحلة التي لا تهدأ في صالة المطار، يتابع زملاءه في العمل، ويقف على المرضى ويلبي طلباتهم، لا يهمه نوع الإصابة ولكن المهم أن يؤدي عمله بكل مصداقية. ولم يقف دور «المطيري» عند هذا الحد، بل تتواصل المسؤولية في ترتيب اللوازم الطبية والمعقمات وغيرها داخل المركز وللزملاء، ويتابع الحالات المصابة والتأكد من إتمام التحويل، فهو مسؤول مسؤولية تامة عنها حتى وصولها إلى غرف العزل. إسراء.. صاحبة إعلان «الإصابة» وإقرار «العزل» رغم أن إسراء عيدروس أخصائية الصحة العامة لم تبلغ عقدها الثالث من عمرها، لكنها تؤدي أصعب دور في التعامل مع المشتبه بهم في الإصابة بفايروس كورونا، إذ إنها مسؤولة عن إعلان الإصابة وإقرار العزل. «إسراء» تؤدي دور «الخصم والحكم» ضد المرضى، فمهمتها صعبة، من حيث التعامل فهي تؤدي عملها في النقطة الأولى الوقائية التي يلتقيها القادم إلى صالة المطار من المسافرين، تلك النقطة التي تعتبر خط الدفاع الأول ضد المشتبه بهم بفايروس كورونا، ثم تؤدي «إسراء» دورها بإقرار العزل. «النقطة الوقائية» للصحة مهمة جداً، وعملها صعب وبه نوع من المخاطرة، خصوصاً أن الكوادر الطبية المتواجدة في النقطة تتعامل مع العشرات في كل رحلة، والكثير تظهر عليهم العلامات والتعامل معهم يحتاج الكثير من الحذر. «إسراء» المعروفة باجتهادها المستمر في عملها في نقطة الفرز، حريصة جدّاً أن يؤدي زملاؤها عملهم بكل إتقان، إذ يقومون بأخذ درجة حرارة المسافر والتعرف على العلامات والمؤشرات التي تؤكد الإصابة، ثم تسجل إقرارات العزل المنزلي وتتابع الحالات وآلية نقلها وخروجها حتى لا تنقل العدوى للزملاء. «سمان».. مايسترو مراقبة القادمين جوّاً يقود مدير المراقبة الصحية في مطار جدة الدولي الدكتور أيمن سمان، الفريق الطبي في المطار لتطبيق الاشتراطات الصحية على القادمين على جميع الرحلات الجوية للمطار، ويعد قائد المهمة الصعبة إذ يدير الفريق الطبي طيلة ال 24 ساعة، من خلال المتابعة والإشراف والوقوف على الآلية المتبعة داخل كل صالة. «السمان» الذي يصفه زملاؤه بقائد المهمة الصعبة «لا يهدأ ولا يمل ليل نهار»، يباشر ميدانياً كشف حالات كورونا من الرحلات القادمة من الدول الموبوءة، يضع القوانين ويطبقها ويشرف عليها. قال ل «عكاظ»: إن الوضع في أمس الحاجة للتكاتف والعمل في المهمة الصعبة، مؤكداً أن الفرق الطبية داخل المطار تقوم بدورها على أحسن وجه، ونحن حريصون على سلامتهم وأداء واجباتهم. ورغم أنه في أرض المعركة مع الفايروس إلا أنه يوصي دائم زملاءه بالاحتياط في مواجهة المصابين وأن عليهم الحرص على أنفسهم وتطبيق قواعد مكافحة العدوى تماماً وعدم التساهل معها. «السمان» الذي أصدر قرار تكليفه مدير الشؤون الصحية في محافظة جدة الدكتور مشعل السيالي، مديراً لمركز المراقبة في مطار الملك عبدالعزيز الدولي يؤكد أن الفرق الطبية في المركز لديها الخبرة الكافية في التعامل مع الوباء من خلال ضوابط الحج والعمرة التي تؤدى طوال العام، وأن فريقه الطبي لديه القدرة والخبرة للتعامل مع فايروس كورونا الجديد. «الصحفي».. مفتاح شفرة «الفايروس» في وقت يسمع ويرى المجتمع جهوداً جبارة في التعامل الصحي مع حالات الإصابة والاشتباه بفايروس كورونا، يبرز دور مساعد الصحة العامة في صحة جدة عبدالله الصحفي، وهي مهمة ليست سهلة في الظروف الراهنة، إذ كان الأمر يتعلق بالإشراف على أكثر من 48 مركزاً صحياً أحدها مركز صحي منفذ مطار الملك عبدالعزيز الدولي، ويعتبر إشرافياً «حائط الصد» الأول للقادمين من الدول المصابة بافيروس كورونا. الدكتور عبدالله الصحفي يعمل خلف الكواليس ولا يرى عمله إلاّ زملاؤه، دائماً ما يجيّر نجاحه لغيره، لكن ذلك لم يكن عائقاً أمامه، بل كان حافزاً له لتقديم أفضل ما لديه في ملف محاربة فايروس كورونا. «الصحفي» الذي يرسم ويخطط ويتابع نشاط الفايروس ويشرف ويتابع شخصياً تطبيق الاشتراطات الصحية ويوجه كل الطواقم الطبية في المنفذ هو أحد أبطال مكافحة فايروس كورونا وهو «ديناميك» العمل الطبي. «الصحفي» الحاصل علي درجة استشاري طب الأسرة والصحة العامة، ويحمل 3 شهادات دكتوراه في طب الأسرة (الزمالة السعودية والزمالة العربية والبورد الأردني)، وزمالة ما بعد الدكتوراه في الأمراض المعدية والوبائية من جامعة موناش الأسترالية، وعضو هيئة التدريس وكبير الباحثين بكلية الصحة العامة، كما له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية الدولية في مجال الأمراض المعدية، ومقيم معتمد في المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية (سباهي)، ومدرب معتمد لأطباء الدراسات العليا، ومقيم للبرامج التدريبية في الهيئة السعودية للتخصصّات الصحية، يضع الآن كل خبرته في مواجهة الفايروس وكل من حوله يثق أنه قادر على قهره.