ساعات طوال من الليل، وهو لا يقوى على النوم... ذكريات متلاطمات، كأنها موج لبحر هائج. ورغم أنه في السباحة ماهر، لكنه لا يعرف ركوب الموج. خرج إلى فناء الدار، حيث ضوء القمر، وإذا به يضع رأسه بين يديه، بعد أن جلس القرفصاء... كأنه خجل من القمر، فالقمر يذكره بمن لا تغيب عن باله! دلال! عشر سنين تجاوزت الأربعين. كيف السبيل إلى إسعادها؟ والسبل إلى ذلك موصدة! فلا درهم ولا دينار. ضاقت به السبل! إنه كاتب يعشق فن الرواية إلا أنه يجهل أركان الرواية المدرارة للمال! كيف السبيل لإسعادها؟ وحلو الكلام أصبح ممزوجا بدموع الشفقة!؟ فلا يعرف سر مرضها إلا هو. طال جلوسة في الفناء، يجلس القرفصاء ورأسه بين كفيه، والدمع تسلل غصبا من بين أصابعه، ليس خجلا من القمر فحسب.. بل من نجوم السماء، تذكره بالأبناء. وفجأة.. مسحة حانية لامست رأسه! يا الله... إنها لمسة دلال. نظر إليها. فعرفت ما يريد! فبينهما لغة سيمافور العيون. عقد اللؤلؤ هدية الزواج.. باعته لتسد به رمق العيش! وبنفس لغة سيمافور العيون، فهمت من دموعه تأسيا وأسفا. لم تبادله الدمع، بل ناولته من نفس مكان العقد «المصحف الشريف» وبلغة السيمافور. قالت اقرأ «قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير» هدأت نفسه واطمأنت، ونظر إليها، لكن لم يجدها! كانت قبلا قد ودعته بلا عودة! وصحا على صوت دلال الحفيدة: «جدو.. تهيأ لصلاة الفجر» ضمها... قبلها ثم قال لها غدا نذهب لنشتري عقد اللؤلؤ! فرحت.. وانطلقت وهي تحلم بعقد اللؤلؤ. *أستاذ بكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة