(التلاعب بالعقول).. على قدر بُغض المصطلح نطقا وكتابة.. إلا أن نتائجه وآثاره أكثر بُغضا منهما. يعود تاريخ نشأته لمسرحية (ضوء المصباح) لباتريك هاميلتون.. ويعود تاريخ ممارسته لبدايات الإنسان.. ولكن بأطوار وأطياف مختلفة. التلاعب بالعقول، ببساطة، يحدث حين يتم فرض ثقافة تجعل الآخر يشك في إدراكه لذاته.. بشكل سلبي -وإن كان له استخدام إيجابي في علم النفس العلاجي- إلا أن استخدامه المتداول يأخذ الطابع السلبي على الدوام. عمليا، ينتشر هذا المصطلح.. في ثقافة شركات القطاع الخاص. وقد يكون هذا هو التكنيك الأبرز -غير المقصود- المستخدم لتحفيز الموظف لبذل كل طاقاته.. طوال الوقت.. لأداء أفضل ما لديه؛ هذا جيد.. أي الأداء الأفضل. لكن على مدار سنوات قليلة فقط، يتحول الموظف تحت طائلة هذا التكنيك القاسي لآلة تعمل في مصنع كبير.. قابلة للانهيار في أي لحظة. الشركات -على عكس القطاع الحكومي- تقدم لموظفيها مكافآت مالية.. إضافة إلى عبارات الثناء والتشجيع.. لكن كل ذلك موجه في النهاية إلى ما يصب في مصلحتها.. بعيدا عن الحالة الذهنية التي عاشها الموظف أو الموظفة للوصول إلى هذه المنصة الوهمية. الشركات تجيد اقتناص الموظفين بعناية فائقة.. فهي تنتقي الأفضل والأكثر بريقا.. إلا أن ذلك البريق -بعد فترة قصيرة؛ في ظل ثقافة التلاعب بالعقول- يضمر. فالموظف دائما هو الحلقة الأضعف في ماراثون إثبات أنه (كفء لذلك الانتقاء). هذه الثقافة موضوع دراسات وأبحاث كثيرة تجرى داخل الشركات على مستوى العالم. لأن التلاعب بالعقول؛ الذي يحدث كإفراز طبيعي في بيئة القطاع الخاص، يؤثر سلباً على أداء الموظف وعلى ثقافة الشركة.. لتبدأ في التآكل من الداخل وتصبح بيئة طاردة. إذا كان الموظف يشعر أن الشركة أكبر منه كثيرا.. وأن بقاءه فيها مناً وليس جدارة منه.. إذا كانت الموظفة مقتنعة أن لها حداً معيناً في الارتقاء الوظيفي أو المردود المالي.. إذا كان الجو العام في الشركة وسياساتها تدفع الموظفين طوال الوقت لطلب رضا الرؤساء.. إذا تحول التنافس إلى (مطحنة) نفسية.. كل ذلك.. مؤشرات على أن الشركة منغمسة في ثقافة التلاعب بالعقول؛ بوعي أو بدون. التخلص من هذه الثقافة ليس صعبا.. وأكثر بساطة مما يبدو. المطلوب فقط أن يتم نقل الخبرات والتجارب.. من الإدارة العليا لبقية الموظفين. من وصلوا للإدارة العليا بالتأكيد مروا بهذه التجربة القاسية.. ولكنهم في النهاية تغلبوا عليها.. وارتقوا في المستوى الوظيفي.. رغم أن زملاء لهم تراجعوا وربما انهاروا في وسط الطريق. من وصل للأعلى كانت له طريقته في النجاة.. وفي الغالب هي (طريقة التغلب على ثقافة التلاعب بالعقول). فقط لو تم نقل هذه التجربة بحِرَفية وجدية وأمانة، ستحصل الإدارة العليا على أداء أفضل وثقافة عملية ترتقي بالموظف وبيئة العمل ومؤشرات الأداء إلى طاقاتها القصوى.. (فوز/ فوز). كاتب سعودي [email protected]