في عام 1387 التحقت بالنادي الأهلي فتغيرت تركيبة حياتي بأكملها، سعدت بذلك إذ تمكنت من الالتحاق بصف دراسي عالي المستوى مد لي جسرا متينا لأعلى درجات الرقي، هذا الجسر أوصلني إلى المعرفة من أوسع أبوابها، إذ تلقيت دروسا خاصة رفيعة المستوى في القصر الفخم (القصر الأبيض كما كنا نسميه)، هذا قصر الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله، الذي ضم أجمل الأروقة وأسمى حجر الجامعات منحني أرقى الشهادات المعرفية. اكتشفت الحياة بكل معانيها وألوانها، ألوان تليق بحياة جديدة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها الحياة الخلاقة، الحياة الموصلة إلى الإبداع. مهدت لي حياة القصر، بكل ثقة ومن غير تكلف وفي أجواء صحية طريق الصعود درجة درجة؛ واثق الخطى نحو درجات سلم الحياة بخطى ثابتة وبدعم قوي في كل ما كنت أشاهد وأسمع وأقتبس. علمنا القصر العفاف والشيم الحسنة والنزاهة والقيم علمنا الاحترام والهيبة والبناء. وفي القصر التقيت بالوالدة الكريمة الأميرة حصة الفيصل بن عبدالعزيز، صاحبة القلب الأبيض القلب الأكثر بياضا من القصر الأبيض... فكانت بحنان الأم ناصحة وموجهة تبحث لي عن دعم بعد كل بطولة يحققها النادي الأهلي على كأس جلالة الملك فيصل رحمه الله، وبتحية من الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله، دعم واكبه دعم الأميرة الجوهرة بنت خالد زوجة الأمير عبدالله رحمها الله الأختين اللتين كانتا متلازمتين طوال عمريهما فمواقفي الجميلة مع الأميرة حصة تربي أجيالا لما تحمله من دروس في النبل والاحترام وبهذه القيم بنيت أسرتي وتمسكت بالقيم والمبادئ التي تحلت بها حتى وفاتها. ومن بين ما بقي عالقا في الذاكرة زفاف الأمير سعود العبدالله الفيصل، حيث أقيمت العزومة في قصر والده في جدة وكنا مع الجمع نحضر ونخدم ونحن معها ندعو الله أن يمد في عمرها وتحضر زواجنا ونلت هذا الشرف، فعندما تقدمت إلى الأسرة التي تزوجت منها أم أبنائي، وهي من أهل الرياض، وكانوا على صلة بالأميرة ولعدم معرفتهم بشخصي كوني من أهل جدة سألوا الأميرة فما كان منها رحمها الله إلا أن زكتني ومدحتني عندهم. ومن المواقف النبيلة لهذه السيدة الأنبل، سيدة أقل ما يقال عنها إنها مدرسة في الخلق وحسن التعامل وتقدير الكفاءات والسهر على رعايتها ودعمها، فحين تحصلنا على كأس الملك بعد مباراة صعبة أمام نادي النصر العريق، وكعادتها بعد كل فرح فوز نلت هدية الفوز قبل الجميع وهذا أدى إلى عقابي من الأمير عبدالله، لأن الأميرة قدمت المكافأة قبله واعتبرها شكوى. هذه السيدة المدرسة لم ترض طوال حياتها أن يقال عن من تحب شيئا لا ترضاه أو عن أي فرد تحبه لا يمكن لي ولأي أحد رعته تحت كنفها أن ينسى أبواب بيتها المشرعة للجميع، ولا مساندتها في الأفراح ومواساتها في الأتراح، لا يمكن للذاكرة أن تخطئ أبدا تواضعها الكبير، فنحن إن قلنا إنها مدرسة لا نجامل ولا نتحدث بعين محب لسيدة علمتنا فنون العيش وأبجديات الاحترام، فالسيدة الكريمة كانت تحضر مناسبات الجميع بلا تمييز فكسبت حب الصغير والكبير حب عبّدت طرقه بكرمها وحبها وحكمتها واحترامها لذاتها وللجميع. رحم الله الوالدة الحنون أم المبادرات والصنائع الطيبة رحم الله بنت فيصل، كما كان الأمير محمد العبدالله الفيصل يحلو له نعتها دوما، ويسكنها فسيح جنانه «إنا لله وإنا إليه راجعون».