الشاعر الكبير والعم العزيز والوالد الجليل أحمد إبراهيم الحربي، حكاية استثنائية ليس بصفته شاعراً فحلاً ولا كاتباً مرموقاً وحسب، بل استثناء في إرادة الإنسان وعزمه. لم أر مثل أبي أسامة في حب الحياة، وإن لم تحبه الحياة كما أراد أو تمنى، ولم أر مثله صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله وقدره. تربطني بأبي أسامة علاقة خاصة، فتحت عيني فتىً يافعاً، وأنا أراه أمامي شاباً يتقد حيوية ووسامة وانطلاقاً، نشأنا معاً في بيت والدي في أبها، ولي معه ذكريات كثيرة لا يمكن أن أوجزها في هذه العجالة. لا أنسى في مطلع الثمانينيات الميلادية، كنت مسافراً معه بمفردنا إلى الرياض على متن الطائرة، وإذا بي أفاجأ به يسحب ورقة من جيب المقعد الذي أمامه ليكتب فيها: ابني إليك وصيتي وكتابي وإليك أشكو لوعتي وعذابي ابني أسامة ما البكاء بنافعي ماذا أقول وقد ذوت أهدابي ووالله الذي لا إله إلا هو أنني حفظتها من ذلك اليوم، ومازالت راسخة في ذاكرتي لا تغيب، وأصبح أسامة الذي كان مولوداً في ذلك الحين طبيباً استشارياً بارزاً، وجاء بعده بقية الأبناء والبنات بارك الله فيهم أجمعين وفي أمهم العظيمة آمنة الحربي. مر أحمد الحربي بمحطات موجعة في حياته بعد معاناة طويلة مع مرض جلدي غرب به وشرق في أنحاء الدنيا لعلاجه، ثم أوجعه قلبه، واستبدلوا كل صماماته بوجع قاسٍ كل مرة، ثم خاض صراعاً مع السرطان الخبيث، بإرادة وحبٍ للحياة لم أر مثلها في أحد، ولم أره إلا مبتسماً في غاية الوجع، يعصره الألم فتسيل دمعة عينه لكن شفتيه تبتسمان، يسافر يمثل بلده في محافل عربية، يتلقى الدعوات لإقامة الأمسيات فلا يرفضها، هذا الرجل حالة خاصة لا تتكرر، لا يكسر خاطر أحد، فاللهم لا تكسر خاطره وأجبر كسره وارحم ضعفه واجعل ما أصابه رفعة له في قدره عندك وخفف عنه واجمع له بين الأجر والعافية، ولا تفجعنا فيه أبداً يا أرحم الراحمين.