الكتابة عن أحمد الحربي تستدعي الهيبة مباشرة، فعن أي جوانبه يمكن أن تكتب؟ فهو الشاعر المحلق، غزير الإنتاج، الذي أصدر أكثر من 12 ديواناً شعرياً، وهو الأديب الناثر الذي كتب المقالة والرواية. وهو الإداري الناجح الذي ترأس نادي جازان الأدبي في فترة حرجة، وقاده إلى بر الأمان، بحكمته وسعة صدره، ومحبته واحتوائه للجميع. وهو الإنسان القوي الصلب المتجلّد الذي تحمّل ثلاث عمليات في القلب، وقاوم وما يزال يقاوم السرطان بكل ثبات ورضى وتفاؤل. وهو الرجل الحاضر في كل المناسبات الاجتماعية، والمشارك في كل الأنشطة الثقافية على المستوى المحلي والعربي، والملبي لكل الدعوات التي تأتيه حتى وهو في أشد حالات تعبه. وهو حلاّل المشاكل، والوسيط بين المثقفين في خلافاتهم واختلافاتهم، والروح المحبة المتسامحة التي تؤلف القلوب وتمسح الجراحات. وهو راعٍ للمواهب الشابة وداعم لها، يأخذ بأيديهم، ويصحح إنتاجهم، ويضع أقدامهم على الطريق الصحيح، ويساعدهم بعد ذلك على نشر إبداعهم. فعن أي جوانبه الثرية أتحدث؟ هل أتحدث عن أحمد الحربي الشاعر الذي سطّر تجربته الشعرية بتأنٍ ودأب بدءاً من ديوانه الأول: (رحلة الأمس)، وصولاً إلى ديوانه الثاني عشر (بلا عنوان) مسجلا اسمه بمداد من ذهب في قائمة الشعراء الأغزر إنتاجاً في منطقة جازان وعلى مستوى المملكة أيضاً، مما دفع عدداً من الباحثين والباحثات لدراسة تجربته الشعرية في رسائل علمية في عدد من الجامعات السعودية، ومنها: (الانزياح في شعر أحمد الحربي) للباحثة صالحة حكمي، رسالة ماجستير في جامعة جازان، و(شعر أحمد الحربي دراسة أسلوبية) للباحثة منى البشري، رسالة ماجستير في جامعة القصيم، و(الصورة الفنية في شعر أحمد الحربي)، للباحث حسين عاتي جامعة الملك خالد. أم أتحدث عن تجربته الروائية التي قدم من خلالها ثلاثة أعمال، وهي: وانتهى موسم الحصاد، براق، غياب. أم أتحدث عن تجربته في فن المقالة، التي يسجل فيها الآن حضوراً يومياً في كثير من الصحف الإلكترونية (صحيفة جازان- صحيفة سبق وغيرها)، وكان قبل ذلك كاتباً أسبوعياً في صحيفة الشرق الورقية، إضافة إلى كتاباته في عدد من الصحف والمجلات المحلية. وقد جمع جزءاً من مقالاته في ثلاثة كتب، وهي: نبض الفاصلة، صهيل الذاكرة، ونخر السيل. أم أتحدث عن تجاربه الإنسانية مع الناس ومع المرض. أم أتحدث عن رحلته التعليمية التي تكشف عن أنموذج فريد في الكفاح، والسعي الدؤوب للتطوير، بدءاً من مرحلة الدبلوم ثم شهادة الكلية المتوسطة، ثم شهادة البكالوريوس من كلية المعلمين. أم أتحدث عن رحلته العملية، ومشاركاته الثقافية، وتمثيله للمملكة في أكثر من محفل. إننا إزاء شخصية إنسانية ثقافية ثرية الجوانب، تجعل المرء حائراً أمامها لا يدري من أين يبدأ، وأين ينتهي؟! كما أن هذه المساحة الصغيرة المتاحة لا تسمح بالتوسع، لذلك سأكتفي بهذه الأسئلة التي طرحتها، والتي تحمل في داخلها إلماحة سريعة تكشف عن ثراء تجربة أحمد الحربي وتنوعها. وسأنتقل للحديث عن تجربة صغيرة عشتها مع أحمد الحربي، ربما لا يعرفها إلا القليل، وربما يكون هو قد نسيها، لأنه قد مرّ عليها الآن أكثر من 25 عاماً. ولدت هذه التجربة في كلية المعلمين بجازان، وتحديداً عام 1414ه كنت أيامها معيداً في الكلية، وكان أحمد الحربي دارساً في قسم العلوم بكلية المعلمين ليكمل درجة البكالوريوس. وفي هذا العام تعرفت على أحمد الحربي وجها لوجه بعد أن عرفته شاعراً من خلال قصائده التي كان ينشرها في ملحق جريدة الندوة الثقافي، وخلال لقائنا الأول في مركز النشاط بالكلية طرحت عليه فكرة إنشاء صحيفة أسبوعية تصدر عن لجنة النشاط بالكلية فرحّب بالفكرة وأبدى استعداده للمشاركة والعمل على إنجاحها وبدأنا خطوات التحضير والإعداد واختيار عنوان الصحيفة وأبوابها، واخترنا عنوانها الذي رأيناه مناسباً وهو (المنبر)، وبموافقة عميد الكلية في تلك الفترة الأستاذ أحمد بن يحيى البهكلي ومساعدة الزملاء بدأنا مشوارنا الصحفي، بصحيفة بدأت محدودة الانتشار داخل أسوار الكلية، لتصبح خلال أشهر ذائعة الصيت في أرجاء المنطقة ولتتحول من صحيفة تنتقد الوسط الطلابي والأكاديمي إلى صحيفة تحاول أن تتجاوز محيطها المفترض إلى محيطها الخارجي نقداً وتقويما، مما أدى إلى إيقافها. وكان أحمد الحربي أحد أبرز كُتَّابها، وأحد أبرز صُنّاعها، وكانت هناك زاوية نقدية مهمة اسمها (شاكوش) على ما أذكر يتناوب على كتابها أحمد الحربي، ورياض بهكلي، وحسن حجاب، تقدم نقداً حاداً لبعض تصرفات الطلاب وبعض تصرفات الإداريين، وتخطت ذلك لتنتقد بعض المؤسسات خارج إطار الكلية، وربما كان هنا التجاوز سبباً في إيقافها. ومن خلال هذه التجربة تعرفت على أحمد الحربي الشاعر، وأحمد الحربي الصحفي، وأحمد الحربي الكاتب، وأحمد الحربي الإنسان، ونمت بيننا صداقة ومحبة امتدت بامتداد العمر. * أكاديمي وقاص سعودي