شكّلت إعادة طباعة ديوان الشاعر عبدالله الصيخان"هواجس في طقس الوطن"عن نادي حائل الأدبي في رأي عدد من"الأدباء، شعراء سواهم"، مناسبة لإعادة تأمل تجربته الشعرية، التي مثّلت احد الملامح الرئيسية للحداثة الشعرية في السعودية. لكن الديوان اليتيم للشاعر الصيخان، بدا أنه يثير تساؤلات عدة، خصوصاً أن عشرين سنة تقريباً، مرت على طبعته الأولى عن دار الآداب البيروتية تساؤلات من قبيل، لماذا لم يصدر الشاعر ديواناً آخر؟ وما السبب في انسحابه من المشهد الشعري لسنوات طويلة؟ فهل نضب معينه الشعري؟ أم أثرت فيه معارك الحداثة التي شهدتها مرحلة الثمانينات؟ هنا شهادات لعدد من الكتّاب. فوزية أبو خالد: حرم الساحة الثقافية من نسمة هواء كإنسانة وشاعرة من قلب التجربة، أكن الكثير من الحب لتجربة عبدالله الصيخان، وأعتبرها من التجارب العميقة. كما أشعر بأن صمت عبدالله يمثل حرماناً للساحة الثقافية من نسمة هواء نقية ومشاغبة. وآمل أن يفرج عبدالله عن عصافير تيماء، ويدفع بقصائده الجديدة الحبيسة للنشر، ويطلق نوافير حنجرته في أنحاء الوطن، ويأذن ب"عودة امرئ القيس"، ديوانه الذي حدثني عن عزمه إصداره، وذلك عندما التقيته في معرض فرانكفوت في ألمانيا، بمناسبة استضافة الثقافة العربية هناك عام 2004. أرى أن بصمة الصيخان الشعرية، حافظت على ذاتها، خصوصاً إبداعية فردية لم تتكرر بعد، بغض النظر عن عدد ما أصدر من دواوين. وعندما نتحدث عن مرحلته الشعرية ككل، نلحظ أن عدداً كبيراً من الأصوات الشعرية الجميلة لتلك المرحلة غاب أو انطفأ أو اختفى. ومن خلال قراءتي السيسولوجية كمختصة في علم الاجتماع، أجد أن أسباب ذلك تعود إلى طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية والأيديولوجية التي مرت بها تلك المرحلة، وأدت إلى مجابهة المد الشعري في نهاية الثمانينات، اذ كان خيار بعض الأصوات أن تتوارى، بينما فضلت أخرى المحاربة والصمود. وأؤكد أنني لا أوجه أصابع الاتهام لشبان وفتيات تلك الفترة ممن تواروا، بقدر ما أضع إصبعي على قساوة تلك المرحلة، التي دفعتهم لذلك البيات الإجباري أو الاختيار التعسفي. وجعلتنا نخسر أصواتاً إبداعية مهمة، سواء في مجال الشعر أو أشكال الأدب الأخرى، ما كان يمكن لو استمرت أن تكون رموزاً لها وزنها في المشهد الشعري العربي اليوم، وليست مجرد بروق جرى اختطافها بما يشهد على شراسة تلك المواجهة غير العادلة، بين ما هو إبداعي وبين عداوات غير عقلانية أوصلتنا إلى هذه الخسارة. محمد الدميني : تجربة اختزنت عذوبة الشاعر وغنائيته تجربة عبدالله الصيخان الشعرية هي واحدة من أنضج التجارب الشعرية المحلية، التي عاشتها الحداثة في ثمانينات القرن الماضي. كانت تجربته صافية وفطرية، اختزنت عذوبة الشاعر وغنائيته، وشهدت على اندهاشه وفوضاه، التي لم تغادره حتى اليوم. أقول هذا كصديق وشريك في شجون تلك المرحلة وإيقاعها وخيباتها أيضاً. تمكن الصيخان بذكاء من تمثل روح القصيدة التقليدية وضوابطها، ومن الاندماج في فضاءات الكتابة الشعرية الجديدة من دون أن تظهر على قصيدته رواسب هذا التأثير كثيراً، ونجح في إيصال قصيدته المغلفة بمسوحات رومانسية إلى شرائح اجتماعية وانتلجنسيا ثقافية وفكرية لم تكن مؤهلة للتنازل عن ذائقتها، وبلغت تجربته مداها الأرحب حين بدأ سريانها في لغة ومواضيع الجيل الذي أتى بعده. أعتقد أيضاً أن عبدالله كان الأديب الأكثر نجاحاً في استثمار علاقاته الإعلامية والأدبية، لإيصال صوته كمبدع ومجدد في الفضاء الثقافي المحلي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المجهود الشعري لعبدالله ونفر من الأدباء في مجلة"اليمامة"لم ينحصر في الأدب وحده، ولكنه أسهم في تجديد اللغة الإعلامية البائدة وفتح الباب لتحديث أسلوب كتابة التحقيق والمقالة الصحافية، واستدعاء الصور الأكثر تميزاً وإعادة دمج الأدب بالصحافة ضمن رؤية جديدة. وعودة إلى محور التحقيق، فإن في كل طاقة شعرية شظايا متألقة تعيش متنقلة بين الغيوم وفي المجرات، وهناك بقايا تحترق وتتبدد، وليس عمل عبدالله الصيخان بعيداً عن هذا المختبر الدامي. لكنني أقول إن لا مؤرخ أدبياً منصفاً يستطيع المرور دون أن تستوقفه قصائد مثل:"فضة تتعلم الرسم"و"صعود ابن الصحراء إلى الشمس"و"مرثية فاطمة"وأن يضعها في مقامها الصحيح. أما عدم تطوير الشاعر لقصيدته، فإنني أعزو ذلك إلى أسباب بينها: الصدمة القاسية التي تعرضت لها الحداثة في أوائل التسعينات ومصادرة حقها في القول والتعبير، وبينها حالة الجمود و"التمترس"وراء منجزات التجربة واعتبارها قد بلغت مداها النهائي، وهناك أيضاً التحولات الفكرية التي دفعت بالشاعر إلى محاولة قراءة الواقع ضمن أنساق تقليدية، وكتب تحت ظلال هذه التحولات نصوصاً لا أعرف كم أصابت وكم أخفقت...!، لكنني أقول إن الشاعر وحده من يحدد وجهة مستقبله الإبداعي. أما الفقر في إنتاج المجموعات، فلا أراه دليلاً على نمو التجربة أو انطفائها، إنه شهادة أخرى من المبدع على بؤس الواقع، وتراجع المؤشرات الإيجابية للجهود الثقافية والإعلامية على أرض الواقع. عبدالله الوشمي: أب شعري للجيل الجديد عبدالله الصيخان اسم شعري عربي مهم، تجاوز المحلية وأصبح متصلاً بالعربية بشكل كبير، ولم يكن الوحيد في ذلك، بيد أنه ضمن مجموعة كان هو من أهمهم. وكنت شخصياً ألتقي بكثيرين من الشعراء مثل سليمان جوادي، وعز الدين ميهوبي وكانوا يتحدثون عنه وعن محمد الثبيتي ومحمد جبر، ويتساءلون عن التجربة الشعرية في المملكة. قرأت في مجلة"سيسرا"الصادرة عن نادي الجوف الأدبي قصيدة بنفس الوهج والقوة، التي كنت أقرأ بها قصيدته"فضة"، فهو إذن باق في مشهدنا وهو أب شعري ضمن آباء شعريين للجيل الذي أنتمي إليه. تجربة الصيخان متحولة وقابلة للاستعادة والدراسة، لذا فهو يدرس في الجامعات وينشر في الصحف والمجلات، ويشارك في الأمسيات، ونسمع عن صدور وشيك لشيء من شعره. حدثني عبد الرزاق العيسى الملحق الثقافي في الجزائر، عن نشاط شعري قوي للصيخان قدمه لمدة شهر مع شاعر جزائري منذ وقت ليس ببعيد، مما يدل بأنه لا يزال ناشطاً في الميدان وحاضراً بقصيدته المميزة. لكنني أظن أن جيل الصيخان لم يحتفَ به كما يجب، من طريق دراسة دواوينهم والكتابة عنهم وغيره، وهم بحاجة للاحتفاء بهم بشكل كبير. هيلدا إسماعيل: لا يمكن قراءته بمعزل عن جيله قرأته متأخراً عن الحقبة التي لمع فيها، ومازال في نظري طازجاً وطرياً وكأنه كتب للتو. ففي ذلك الوقت كنت أصغر من أن أقرأ لقامة بحجم الصيخان، وحين أردتُ العودة لآراء النقاد لم أجد من يعلِّمني كيف أكوِّن انطباعاً موضوعياً عن ديوانه الوحيد مقارنة بشعراء جيله، لهذا اعتبرها لفتة جميلة أن نادي حائل الأدبي أعاد طباعته، وبالتأكيد الذائقة الجديدة ستختبر ذلك، بمنطق جمالي يناسب المرحلة الآنية. في السعودية لا يؤخذ الصيخان بمعزل عن تجربة الثمانينات، بما فيها من تحدٍ واحتدام ساهما في خروج شعرية مختلفة وإن لم تنفصل تماماً عن الأثر الدرويشي، ولكن هذه الرموز وإن تم الاحتفاء بهم عربياً، إلا أنهم لم يخضعوا حتى الآن. عبدالرحمن موكلي: عوالمه قريبة من الناس عبدالله الصيخان، أحد الأصوات الشعرية الجميلة، التي تابعتها عبر الصحف، لأنني لم أقتنِ ديوانه سوى منذ خمس سنوات. والصيخان امتاز في بداية تجربته، ببساطة في بناء الجملة الشعرية، إضافة إلى حميمية عوالمه القريبة من الناس، وهو واحد من ممثلي شعراء الثمانينات، بما امتاز به من جدارة، وبساطة لغة، ومفردة شعبية وصولاً بها للغة الفصحى. وقصيدته"فضة تتعلم الرسم"كانت حدثاً شعرياً، وكذا مشاركاته المتعددة والاحتفاء به في المهرجانات العربية مثل المربد وجرش. بيد أنه منذ منتصف الثمانينات أصبح مقلاً في النشر، ولم يعد إليه سوى أخيراً بقصائد مناسباتية، وسبب ذلك أنه حدثت في تلك الفترة هجمة شرسة، وكذا عملية تصفية للشعراء، ما تسبب في صمت بعضهم، ومنهم الصيخان، هنالك أسباب يجب أن تقرأ من داخل الحدث! شعراء الثمانينات ومنهم الصيخان، لم يحصلوا على الاهتمام المطلوب، من النقاد والجمهور في بلادهم! الشعر ليس مؤسسة مالية لنقول بأن هذا الشاعر أفلس، كما أنه ليس لدينا مشروعاً شعرياً بل قصائد! لأن الشاعر السعودي ليس متفرغاً لشعره، كما هو الحال مع محمود درويش وقاسم حداد، بل لديه مشاغله المعيشية والأسرية، لذا علينا ألا نحاسب الشاعر بل الوضع الثقافي! أحمد الواصل: رقم تاريخي لا أكثر ربما تظهر تجارب في الفنون والآداب لا تتجاوز قصيدة واحدة أو لوحة أو أغنية أو فيلماً سينمائياً لأي فنان أو فنانة، وتأخذ مكانتها في المشهد الثقافي على العكس من تجارب تضخ أعمالاً ولكن لا حراك بها!. من هنا يمثل الصيخان تجربة جيل شعري سعودي كان أكثرهم مقلاً وربما يكون كشاعر، هو شاعر القصيدة الواحدة أو الديوان الواحد مثل محمد الثبيتي، ومثل: ناصر بوحيمد ومحمد العامر الرميح وحمد الحجي لكل من الثلاثة ديوان واحد من دون أن ننسى أن شاعراً تونسياً هو أبو القاسم الشابي ترك ديواناً وحيداً ومات بينما كتب رياض الريس ديواناً وحيداً ولكنه مضى إلى مشاريع الصحافة وتأليف الكتب السياسية ونشر الكتب! بالنسبة لي ولجيلي لا يعدو سوى رقم تاريخي لا أكثر، وربما أسهمت الرقابة المانعة لتوفر ديوانه في المكتبات التجارية، بغير تداول النسخة المشتراة من الخارج أو المصورة غير المتاحة لكثيرين، في دفع الصيخان إلى عدم تطوير تجربته، والاكتفاء بديوان يتيم وبالتالي تدميره منذ البداية! كذلك ترويج بعض النقاد المجاني لأول تجربة من دون حساب الموهبة الواعدة والموهبة الناقصة، والأمر الثالث هو اختفاء الصيخان نفسه، أو أن له مشاريع لم يكن الشعر أحدها! محمد الحربي : "صعلوك" قرر الانسحاب من الواجهة يرى الشاعر محمد جبر الحربي أن عبدالله الصيخان من رواد ومؤسسي التجربة الشعرية الحديثة منذ السبعينات. ويؤكد:"هو شاعر مميز، ومجنون، من صعاليك الجزيرة العربية، وممن أثر في تجربتي الشعرية والحياتية أيضاً! بيد أنه يؤسفني أن يختصر من خلال تجربته الشعرية فقط، على رغم أنه أيضاً أحد مؤسسي الصحافة الجديدة في الثمانينات"، وتابع:"تجربته في مجلة"اليمامة"كانت رائدة، وتدرس في رسائل دكتوراه وماجستير، إضافة لاهتماماته الفنية المتنوعة الأخرى مثل: المسرح والتشكيل، إضافة لذكاء واطلاع كان يندر أن تجده لدى غيره، ثم حدث التغيير! لماذا؟ هل قرر الانسحاب من الواجهة؟ نحن حوربنا حرباً مريرة حتى في أرزاقنا، واتهمنا بالكفر والزندقة من قبل بعضهم، مثل عايض القرني وذلك فقط من أجل كتابة قصيدة حديثة!". علي الدميني : اندفع إلى ساحات "الركود" والاعتزال اعتبر الشاعر علي الدميني أن عبدالله الصيخان واحد من كوكبة الشعراء، الذين أسسوا لتقاليد كتابة القصيدة الحداثية في المملكة قانع من سبقوه وعاصر من جايلوه! وقال:"أصبح أحد الأسماء البارزة التي توصف بالمرحلة النشطة في مرحلة الشعر السعودي من منتصف السبعينات، بيد أنه للأسف أصبح مقلاً في الاهتمام بالشعر، وفي كتابته، لذا لم نعد نقرأ له جديداً يذكرنا بتلك المرحلة الجديدة!". وأضاف:"عبدالله شاعر بتكوينه النفسي، يمتلك شفافية وعذوبة، وكان حاضراً بشعره ومتألقاً في تلك المرحلة، لذا يؤسفني الآن أنني أفتقد الصيخان، فعلى رغم أن شعراء تلك المرحلة مقلون، لكنهم لا يزالون حاضرين مثل محمد العلي، الذي لا يزال حاضراً في الساحة ويكتب نصوصاً، ومحمد الحربي، وكذلك سعد الحميدين الذي سبق التجربة بإبداعاته!". واستطرد:"لذا فأنا أتألم لغياب عبدالله الذي لا أعلم له سبباً، فربما يعود سببه لظروف ثقافية، أو فكرية، أو عملية ،أو ماليه، أو عمرية إذ في فوران الشباب اندفاع وتجريب بخلاف ما يليه! كل تلك الظروف، أثرت فيه وأخذته من ذلك البركان الشعري المتألق، حيث التماسك، وصفاء الرؤية والعشق الصوفي للقصيدة، إذ كان طوال وقته مهموماً بالقصيدة، بل كان هو قصيدة بحد ذاته، بيد أنه الآن، لا، لم يعد كذلك، حيث دفعت به الظروف إلى ساحات الركود والاعتزال!".