ارتدى معطف الطبيب وجلباب الأديب وعباءة الإعلامي.. وإذا صنِّف طبيباً عالمياً فلأنه من جوقتهم.. وبين المثقفين أديب أريب.. وعلى منصات الإعلام عزز ثقافة البدن الصحيح.. تبنى في مجلس الشورى تطوير «النظام الصحي»، وفي الطب «تعزيز الصحة»، وفي الأدب «مدرسة العقاد»، وفي التلفزيون «الطب والحياة».. تلك هي عِلمِيَّة وعَملِيَّة البروفيسور زهير السباعي. حين تشرَّب من مكتبة والده وأَحب القراءة أكثر من واجباته المدرسية؛ برَّ بأبيه على طريقته الخاصة لا كما يريدها الآخرون.. ولما غُذي بالمعرفة في مسامرات صالون شيخ الصحفيين أبيه؛ قرأ في المرحلة الابتدائية روايات التاريخ والبطولات الأسطورية.. وعندما تذوق تجربة «حصالة الادخار» لشراء كتاب؛ مُنح لقب «دودة الكتب». وبين تأثر بحكايات «حلاَّق» وخيالاته، وحلم لاعب كرة مشهور، وتمني دارسة الزراعة؛ تدرجت أحلام المهنة فاستقرت بوصلته صوب «الطب الوقائي»؛ نسخة كربونية من قصة روائية قرأها وتأثر بها لطبيب كافح الأمراض الوبائية ميدانياً في الأرياف.. قضية تحدٍ خاض بها غمار دهاليز الطب وفك طلاسمه، فعاد بعد أعوام متسلحاً بالدراسات العليا الأكاديمية. إذا كُتبت سيرة أوائل الأطباء السعوديين وحكاياتهم؛ فإنه قيمته تُكتب بحبر التجربة ونظرية الإقناع وفلسفة الإبداع. مسيرة نُقشت عقب عودته حاملاً الدكتوراه والماجستير والدبلوم، مَعَادٌ متزامن مع نزول «آرمسترونغ» بمركبته الفضائية «أبولو» على سطح القمر، وحين سمع مقولته «إن هي إلا خطوة صغيرة لإنسان ولكنها قفزة رائعة للإنسانية»؛ تأثر بها ثم انطلق. وبمعرفة لا يحاذيها التعسير، وتجربة لا يوازيها التحبير، وخبرة لا يجاورها التنكير؛ دشَّن رحلة عَمَلية لاستكشاف الأوبئة باستراتيجية الوقاية ومقاومة العدوى، وانتهج نمطاً تدريسياً لم يكن مألوفاً، وأرشد تلامذته لمصادر البحث خارج جدران الكلية وعنابر المستشفيات، وجدَّد مشروع تعليم الطب باللغة العربية، ودافع عنه في كتابه «تجربتي في تعليم الطب بالعربية». في عقد ونصف من سِنِيِّ الزمان، كان في برنامجه التلفزيوني الشهير «الطب والحياة» طبيباً بثوب أديب، حفر به مكانة داخل ذاكرة جيل، وغرس حميمية علاقة بمشاهد، وبث أريج طب تثقيفي مختلف، وبانتقاله لعضوية مجلس الشورى تفرَّغ له وتخلَّى مجبراً عن برنامجه، ومعه غادر رئاسته المجلس العربي لطب الأسرة والمجتمع.