بين الإذاعة والتلفزيون والشعر والتمثيل بدأت أوتار مهنيته.. وفي بداياته مذيعاً شَعَر وكأنه عاد إلى أيامه الدراسية.. وبين جيل إعلامي مضى؛ تفتحت أمامه السُبُل لانطلاقة مشوار مجد إعلامي تباهى بمنجزاته.. وبين شغف بالمذياع وتحمّل مجهود إعلامي رصين؛ تاريخ مبهج عند الباحثين عن قيمته المكتسبة.. وحين وهَن عظمه واتكأ على عصاه واتشح شَعره البياض اختار صومعته بإرادته، وتوارى عن الأضواء ولم يكن انطواء.. إنه الإذاعي أمين قطان. حين امتلك سمات شديدة الخصوصية بمهارة وملكة؛ لم يكن التحدي الأصعب أمامه نجاح البقاء في المشهد الإذاعي، إنما التفوق لحجز مكان وسط ساحة مليئة بوجوه إعلامية أَلمعِيَّة.. ومن صفات تجاوزت حدود الزمان والمكان؛ عبَّر في برامجه الإذاعية والتلفزيونية عن تراث البلد وفِكره، مسهماً في تميز الإعلام السعودي ونقلته الحضارية. وعندما حانت له الفرصة مع «الدراما التلفزيونية» توجه إليها تزامناً مع الإذاعة.. وحين لم يرُق له، ثَاب عائداً صوب حبيبه المذياع، طمعاً في «الحرية الدرامية».. ولما تعسر عليه الاستمرار في الإعلام عقب مسيرة نصف قرن؛ رَبَأَ بذاته دون أن يضعها في موقع لا يرتضيه، فآثر الابتعاد حفاظاً على تاريخه. لما لم يكن من المنصف لمشواره الطويل أن يصبح رقماً غير مؤثر في معادلة الإذاعة والتلفزيون؛ لم يرد لنفسه أن يكون حجراً في لعبة شطرنج تخضع للتغيير وتبديل المراكز.. وإثر أعوام طويلة من الابتعاد؛ عاد بطلب من الراحل الدكتور محمد عبده يماني في برنامج «الروضة والحطيم» على قناة «اقرأ»، ليفيء للتواري مرة أخرى. وفي أرقى حقوق الوفاء لعلاقات جمعته برموز اعتبارية؛ لم يكتب مذكراته إقراراً بأمانة المجالس، في قناعة أن ليس من حقه نشر أحداث من كانت معه أجمل اللحظات.. رفض الفكرة بقناعته الخاصة؛ لأن من حقهم عليه الاحتفاظ بخصوصية تلك العلاقة، فما يرى نشره قد لا يروق لمن كان معه وشاج وميثاق. أطلق جملته العميقة الشهيرة «لا تكرموني بعد موتي»، فالناس لا يتذكرون عظماءهم إلا بعد رحيلهم، والاحتفاء بالموتى فقط ينعكس سلباً على ثقافة الأجيال التالية، وتكريم الراحلين ليس إلا استغلالاً لتاريخهم والتغني بهم من القائمين على منصات الاحتفالات.