كأن المِحَن في بيرو لا تأتي فرادى، ففيما تواجه هذه الدولة اللاتينية وضعاً مزرياً في أنوت جائحة فايروس كورونا الجديد، إذ قفزت إلى المرتبة الخامسة عالمياً من حيث عددُ الإصابات (722.832 إصابة، و30.593 وفاة)؛ يواجه رئيسها مارتن فيزكارا محاكمته أمام الكونغرس البيروفي بتهمة عرقلة تحقيق في فساد ارتكبته حكومته. ويمثل هذا الاضطراب السياسي في هذه الدولة، التي يبلغ تعداد سكانها 33 مليون نسمة، ضربة كبيرة لمساعي تفادي مزيد من الأضرار الناجمة عن تفشي وباء كورونا. فقد أدى الوباء إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لبيرو بنسبة 30% خلال الربع الثاني من 2020. وأدى التهديد بتوبيخ الرئيس أمام البرلمان إلى انخفاض شديد في قيمة العملة البيروفية (السول)، في مقابل الدولار الأمريكي. وليزداد الطين بِلّة، طالب أعضاء الكونغرس البيروفي الأسبوع الماضي بتنحية وزيرة المالية ماريا أنطونيتا ألفا، بدعوى أنها لم تفعل شيئاً لمنع تدهور الأداء الاقتصادي تحت وطأة جائحة فايروس كورونا الجديد. وتواجه بيرو مشكلة تفشي الوباء في أريافها النائية، حيث تقيم القبائل الهندية الأصلية. وترفض هذه القبائل التوجه إلى المشافي للعلاج من الوباء، بدعوى أن دخول المستشفى ليس سوى مقدمة للوفاة! وتقوم الأمهات والجدات في تلك المناطق باستخدام الأعشاب للتداوي من كوفيد-19. ويقمن بغليها وتقديمها لأبنائهن وأزواجهن لاستنشاق أبخرتها. كما يصنعن مزيجاً من محلول الزنجبيل والبصل لمساعدة المصابين على التنفس بشكل طبيعي. وأقر أحد المعلمين في قرية نائية بأن أهله ظلوا يتعاملون مع الأعشاب على مر القرون، لكنهم لا يعرفون بوجه قطاع إن كانت لها قدرة على معالجة كوفيد-19. ويضاف إلى ذلك أن الحكومات البيروفية المتعاقبة لم تستثمر ميزانيات تذكر في تطوير المشافي الإقليمية. فضلاً عن أن غالبية السكان الأصليين لا يصدقون أن الطب الحديث يمكن أن يشفي مرضاً. وقال بعض السكان إنهم لم يروا مسؤولاً حكومياً يزور منطقتهم منذ عقود، إلا أخيراً حيث توافد موظفو وزارة الصحة لدفن جثث المتوفين بكوفيد-19. وعلى رغم أن بيرو تضم أقدم السكان الهنود الأصليين، إلا أن أجيالاً كثيرة منهم أبادتها الأوبئة قبل الاستعمار الإسباني للبلاد. وتقيم غالبية هذه الجماعات في المناطق النائية من حوض نهر الأمازون، حيث لا يوجد عدد كاف من الأطباء والكوادر الصحية. ومع أن نحو نصف مليون نسمة يعمرون تلك الأرجاء، فلا يوجد سوى مشفى به 10 أسرّة للعناية الفائقة. وفي ظل عدم وجود استشاريين وكوادر صحية متخصصة في طب العناية الفائقة فإن معظم تلك الأسرّة شاغرة. ويقول المسؤولون إن العقبة الأساسية هناك تتمثل في صعوبة الوصول إلى السكان، إذ يتطلب ذلك الاستعانة بمروحية، أو رحلة بمركب تستغرق نحو ثماني ساعات. وأكد مسؤولون صحيون في الإقليم أن غالبية الهنود الأصليين أصيبوا بكوفيد-19. وقال أحدهم إن نحو 147 ألفا من 500 ألف مواطن يعيشون في الغابات المطيرة في بيرو أصيبوا بالفايروس، وتوفي 3 آلاف شخص منهم. ويشير القادمون من هناك إلى توسع كبير في المقابر، لاستيعاب العدد الكبير من وفيات كوفيد-19. وقال أحد حفاري القبور إنه كان يحفر ما يصل إلى 30 قبراً يومياً في ذروة التفشي الوبائي. وأضاف أنه يحمد الله أن أتاح له وظيفة حفار قبور، تؤمن له عيشاً كريماً في ظل أوضاع اقتصادية خانقة. وزاد أن الجثامين لا تزال تأتي، فيقوم برشف محلول عشبي للوقاية، ثم يتولى دفن الجثمان.