الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، من الشعراء: الحسين بن محمد المنبجي، نسبة لبلدة منبج السورية، المعروف ب«دوقلة»، بزغ في عصر المأمون، وربما مات في عصره. شاعر مغمور، تنسب إليه القصيدة المشهورة ب«اليتيمة»، وأول من ذهب أنها لدوقلة ثعلب شيخ الكوفيين في النحو العربي. هل بالطُّلول لِسائِلٍ رَدُّ؟ أَمْ هل لها بِتَكَلُّمٍ عَهْدُ؟ لَهْفي على دَعْدٍ وما خُلِقَتْ إلاّ لِطولِ تلَهُّفي دَعْدُ بَيْضاءُ قد لبِسَ الأديمُ أديْ مَ الحُسْنِ فَهْوَ لِجِلْدِها جِلْدُ وَيَزيِنُ فَوْدَيْها إذا حَسرَتْ ضافي الغَدائرِ فاحمٌ جَعْدُ فالوَجْهُ مِثْلُ الصُّبْحِ مُبْيَضٌّ والشَّعْرُ مِثْلُ الليلِ مُسْوَدُّ ضِدَّانِ لمّا استَجْمَعا حَسُنا والضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ وكَأنَّها وَسْنى إذا نَظَرَتْ أوْ مُدْنَفٌ لَمَّا يُفِقْ بَعْدُ بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ عَلى رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ تعطو إذا ما طالها المَردُ وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَه عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضتْ مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ إنْ لم يَكُنْ وَصْلٌ لَدَيْكِ لنا يَشْفي الصَّبابَةَ فَلْيَكُنْ وعْدُ قد كان أوْرَقَ وصْلُكُم زَمَناً فَذَوى الوِصالُ وأوْرَقَ الصَّدُّ للَّهِ أشْواقٌ إذا نَزَحَتْ دارٌ بِنا، ونَبا بِكُمْ بُعْدُ إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ