هناك عدة مصطلحات معرفية سياسية، ينبغي على المتعلمين والمثقفين المهتمين بالشأن العام، فهم معنى كل منها الصحيح والحقيقي والسليم. وعدم اعتماد فهمها، كما هو كائن الآن في بعض الأوساط ووسائل الإعلام، في كثير من البلاد العربية والنامية. ومن أهم هذه المصطلحات ما يلي: 1- الأكاديمي السياسي (عالم السياسة): هو من درس علم السياسة والعلاقات الدولية، وحصل على أعلى الدرجات العلمية في هذا العلم، بما يؤهله للتدريس الجامعي، وكتابة الابحاث العلمية السياسية. 2- السياسي (Politician): هو من يمارس عملاً سياسياً، ويشارك في عملية صنع القرارات السياسية، عبر السلطات الثلاث. هو ليس موظفاً حكومياً في أجهزة السلطة التنفيذية للحكومة، بل شخص يشارك، بشكل أو آخر، في صنع القرار السياسي في دولته. وهناك صفات كثيرة، تنم عن ضعف الثقة به أو بها، تلصق بالسياسي المنتخب بخاصة، منها: تهم الكذب وعدم الوفاء والغش. وهى تهم تلصق ب«السياسيين» أكثر من غيرهم. وهذا غير صحيح على إطلاقه، بل هي من الأخطاء الشائعة، ولا أساس حقيقياً لها. فالسياسي هو -في نهاية الأمر- إنسان... له سلوكيات إيجابية وسلبية، كغيره من بني البشر. ومعظم الناس يخطئون ويصيبون، يصدقون ويكذبون، يوفون، ويغدرون. أما لماذا ينعت معظم الساسة بهذه الصفات، أكثر من غيرهم، فلأنهم في الواجهة، وفى «فم المدفع»، كما يقال. ومكشوف ما قد يرتكبونه من أخطاء وانحرافات وتجاوزات، تمس نتائجها وأضرارها الملايين... فيظهر الساسة وكأنهم أكثر الناس كذبا وخداعا، وربما إجراما.. وكثير منهم ليسوا كذلك. **** وقد أبدع الفكر السياسي العالمي، فأوجد الوسائل و«الأساليب» التي تكفل «تهذيب» سلوك الساسة، وإخضاعهم (دائماً) للرقابة والمتابعة والمحاسبة، والمساءلة. والمجتمعات التي أخذت بهذه الأساليب حققت التقدم والتطور والقوة والمكنة... نتيجة تسخيرها لساستها ومسؤوليها لخدمة المصالح الحقيقية العامة لهذه المجتمعات، لا خدمة مصالح خاصة.. غالبا ما تتعارض مع المصالح العامة. فالإنسان (عادياً كان أم مسؤولاً) ميال بطبعه للاستبداد... وتقديم مصالحه الخاصة، على كل ما عداها، ما لم يكن هناك وازع، أو رادع ومحاسبة... ولا كابح ممكن له سوى «تنظيم» ملزم... يدفعه دفعاً لخدمة المصالح العامة أولاً وأخيراً، ويرغمه على السير في هذا الاتجاه، دون سواه. **** 3- المراقب (الراصد) السياسي: وهو الشخص الذي يتابع الأحداث السياسية في وقت ومكان معينين، ويرصدها، لاستخدامها (كحصيلة إخبارية) في وسائل الإعلام المختلفة، أو غيرها. وما يقدمه يعتبر أساساً لغيره. 4- المحلل السياسي المتخصص: من نال بطرف من علم السياسة، ويقوم بتحليل حصيلة إخبارية معينة، جمعها هو أو غيره، محاولاً توضيح ما تعنيه لأطرافها المختلفة، ولغيرهم، انطلاقا من الثوابت والحقائق العلمية والعالمية المنطقية السائدة. 5- المحلل السياسي العادي: من يقوم بتحليل حصيلة إخبارية معينة، جمعها هو أو غيره، محاولاً توضيح مغزى هذا الحدث السياسي، أو ذاك، في رأيه، منطلقاً من بعض الثوابت والحقائق العلمية والعالمية، أو من غيرها. ودون خلفية مناسبة من علم السياسة. 6- المفكر السياسي: في قمة المعرفة السياسية في كل مجتمع، يوجد المفكرون السياسيون، مع التفاوت في درجات إجادتهم، وهم يمثلون قمة هذه المعرفة. وعددهم قد لا يتعدى أصابع اليدين في بعض المجتمعات. فانطلاقا من علمهم الغزير وخبرتهم بالسياسة، يمكن للواحد منهم أن يقدم تحليلا حقيقيا ل«ما هو كائن» في موضوع سياسي معين، و«ما يجب أن يكون» عليه ذلك الموضوع، تأسيسا على، وانطلاقا من مقدمات منطقية معينة، أو يمكن تعيينها. إنهم «حكماء السياسة» الذين تحتفى بهم مراكز الأبحاث المرموقة في الدول المتقدمة، وتستفيد من تحليلاتهم، ورؤاهم. **** ومن ذلك، نرى أن الراصد السياسي هو الذى يقدم «المادة الخام» للمشتغلين بالمعرفة السياسية، التي ينطلقون منها لتوضيح الأحداث والوقائع السياسية المختلفة. وغالبا ما يقع الكذب والتزييف في «تفسير» بعض المحللين لهذه الأحداث. فالمحللون الدجالون بخاصة «يلونون» تفسيراتهم بألوان من عندياتهم، ورؤاهم المغرضة، ويتجاهلون الحقائق. ويلاحظ أن المعرفة السياسية لا يمكن أن تزدهر وتكون ذات مصداقية عالية، إلا بتوفر قدر مناسب من حرية إبداء الرأي. لذلك، نجد أن هذه المعرفة تكاد لا توجد بوضع حقيقي، في أغلب المجتمعات المتخلفة. وهذا لا يعفى المتلاعبين والدجالين من مسؤولية تضليل الرأي العام، أو محاولة تضليله. ولعل ما ذكر هنا يسهم في توضيح بعض الملابسات الشائعة المحيطة بأهم شيء في حياة الناس العامة... ألا وهو «السياسة»... التي لا ينعقد أمر إيجابي أو سلبي -في الحياة العامة للناس- إلا عبرها.