التحليل السياسي فنّ وعلم وهو في عالمنا العربي ممارسة حديثة تتأرجح بها المصالح والأيديولوجيات خارج قواعدها الأساسيّة. وأعني بذلك أن مدرسة التحليل السياسي العربي التقليديّة نشأت -في غالبها- مشوّهة كونها ترعرعت في جو مشاغبات التيارات وفي حضن الإعلام الرسمي المتوازي مع صوت وسوط السلطة وبذلك افتقدنا في هذه المهنة للتأسيس العلمي والمهني الذي يرى التحليل السياسي خدمة معرفيّة مجتمعيّة ترتكز على النزاهة والأمانة العلميّة وغايتها الأساس تنوير أذهان الرأي العام حول الأحداث والمواقف المؤثرة في حاضرهم ومستقبلهم. وهنا عرض ملخّص لأبرز القواعد التي قد تساعد المحلل السياسي على الإضافة الإيجابيّة للمهنة واكتساب احترام الجماهير: القاعدة الأولى: احترم التخصّص والخبرة التي تملكها. وهذا يتطلّب منك ألّا تتحدّث إلّا فيما تجيد فلكل قضيّة سياسيّة موضوع رئيس وتشعبات تحتاج مع الاستعداد إلى إدراك أبجدياتها العلميّة ومفاهيمها في التطبيقات السياسيّة. القاعدة الثانية: لا تبني تحليلك السياسي على مقدرتك البلاغيّة وحدها. تأكّد أنّ مهارتك اللغويّة مهما كانت فريدة ستخذلك حين يتطلب الموقف تلخيصا محددا لحدث أو تقديم رؤية محددة الأركان. القاعدة الثالثة: تذكّر أن المعلومات الحصريّة والمصادر الخاصة هي أغلى ما يملك المحلّل السياسي وهي سلعته الثمينة في مهنته. لا يكفي أن تعيد تدوير ما يقرأه الناس دون إضافاتك من مخزنك المعلوماتي الخاص الذي اكتسبته من مصداقيتك مع المؤثرين ووسط الجماهير. القاعدة الرابعة: تنبّه جيدا حتى لا تستهويك شهوة الميكرفون فتدّعي شيئا غير حقيقي سواء كانت المغامرة بمعلومة أو التلميح إلى توجّه سياسي معين. القاعدة الخامسة: عزّز التحليل السياسي بالأرقام والوقائع واربط بين الأحداث ونظم أفكارك حتى تصل مضامينها لمتابعيك مكتملة وثريّة موقنا أنّك (وسط) عصر المعلومات ومجتمع المعرفة. القاعدة السادسة: اعتمد اللغة الهادئة والعبارات الرصينة دون رتابة وإملال واحترم محاوريك والمشاركين معك. واعلم أن الصراخ والشتيمة في وجه معارضيك (انفعال) لا علاقة له بالتحليل السياسي ولن يكسبك إلّا جماهير المصارعة الحرّة وهؤلاء لا يصنعون نجما ولا يحافظون على من صنعه الغضب نجما. القاعدة السابعة: كن على يقين أن الأزمات السياسيّة هي جزء من صراع الإرادات السياسيّة في عالم اليوم فلا تظن أنّ حماسك غير المرشّد سيكسر إرادة خصم أو يغيّر مجريات قضيّة. ومن هنا عليك أن تفرّق بين التحليل السياسي أمام الجماهير والمشورة السياسيّة الوطنيّة التي قد تبادر بها أو تقدمّها بناء على طلب. القاعدة الثامنة: اعلم أن المحلّل السياسي الناجح هو في الحقيقة قارئ ثاقب النظر ومتابع حصيف. ومن هنا فالنجاح في تحليل الأحداث السياسيّة لن يتأتى إلا برصيد كبير من المعرفة وبعد النظر. القاعدة التاسعة: تذكر أن السياسة تعني" فن الممكن" وهذا يعني أن لا مستحيل في السياسة فلا تجازف بالأحكام القطعيّة مدركا أن التحليل السياسي في مجمله هو فن استشراف المآلات وتوقع الاحتمالات. القاعدة العاشرة: اعلم أن الظهور المتكرّر محرقة إعلاميّة علنيّة فلا تكن مكثارا ثرثارا تتنقل بذات البضاعة من محطة تلفزيونيّة الى أخرى ومن ندوة جماهيريّة إلى ملتقى. إذا لم تتنبه فسيأتي عليك يوم وستسمع بأذنك عبارة (فلان احترق). قال ومضى: رب كلمة (محبوسة) قالت لصاحبها (دعني انطلق).